للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُغمي عليه، فقد تم حجه.

واختلفوا فيمن دخل عرفة في وقت الوقوف في سيارة الإسعاف، وهو مغمى عليه ولم يُفِق لحظة، على قولين:

القول الأول: أن وقوف المغمى عليه في عرفة يجزئه. وهو مذهب الحنفية، والمشهور عند المالكية، ووَجْه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة (١).

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتَ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ».

فالمغمى عليه قد أتى فيَدخل في عموم هذا الحديث، وإذا كان النائم طَوال الوقت يصح وقوفه فكذا المغمى عليه.

القول الثاني: أن وقوف المغمى عليه طَوال الوقت في عرفة- لا يجزئه؛ لعموم قول النبي : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فالوقوف بعرفة لا يتأدى بغير نية، فالمغمى عليه لا نية له. وهو قول للمالكية، والمشهور عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة (٢).

ونوقش بأن المراد بالنية في الحج هو نية الإحرام والدخول في النسك، ولا تُشترط في كل عمل من أعمال الحج.

واستدلوا بأن المغمى عليه في هذا مقيس على المجنون؛ لأن كليهما غير مُخاطَب.

ونوقش بأن هذا قياس مع الفارق، بأن المغمى عليه مُخاطَب؛ لأنه مأمور بالقضاء، بخلاف المجنون، فالمغمى عليه مِثل النائم.

والراجح: أن وقوف المغمى عليه في عرفة يجزئه؛ لأنه أتى عرفة، وقد قال : «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتَ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ».

فمن وقف بعرفة بحدودها المعروفة حاليًا بالأعلام كلها موقف، ففي أي جزء منها وقف صح حجه، ولا يُكلِّف الحاج نفسه المشاق للذَّهاب إلى جبل الرحمة، وبخاصة في هذه الأزمنة المتأخرة، التي كَثُر فيها الحُجاج، فيؤدي هذا الذَّهاب إلى التزاحم والمشقة


(١) «المبسوط» (٤/ ٥٦)، و «المدونة» (٢/ ٤١٣)، و «المجموع» (٨/ ١٤٠)، و «المغني» (٥/ ٢٧٥).
(٢) «الاستذكار» (٤/ ٤٩)، و «الأُم» (٢/ ٢١٩)، و «المجموع» (٨/ ١٤٠)، و «المغني» (٥/ ٢٧٥).

<<  <   >  >>