للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغنم. فأما القيمة فلا يُتصوَّر أن تكون هَدْيًا.

المبحث الخامس: قول عدلين في جزاء الصيد: وفيه مطلبان:

المطلب الأول: المُتلَف من الصيد قسمان:

القسم الأول: ما قضت فيه الصحابة من جزاء الصيد، فيجب متابعتهم، ولا يَجوز مخالفتهم.

القسم الثاني: ما لم تَقْضِ فيه الصحابة، فيُرجَع فيه إلى قول عدلين خبيرين من أهل المعرفة. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة (١).

المطلب الثاني: الشروط التي يجب توافرها في الحكمين

الأول: العدد، فلا بد أن يكونا اثنين؛ لقوله: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥].

الثاني: العدالة، وهي: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْكَبِيرَةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغِيرَةِ. وَالصَّلَاحُ فِي الْمُرُوءَةِ اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَاجْتِنَابُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ. فَإِذَا وُجِدَ هَذَا فِي شَخْصٍ، كَانَ عَدْلًا فِي شَهَادَتِهِ، مِنَ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ (٢).

الثالث: الفقه، فذهب المالكية والشافعية إلى أن الفقه شرط في الحَكَمين (٣).

الرابع: الخبرة؛ لأنه لا يَتمكن من الحُكْم بالمِثْل إلا مَنْ له خِبْرة (٤).


(١) قال ابن قُدامة: وأَجْمَع الصحابة على إيجاب المِثل. «المغني» (٣/ ٤٤١).
قال الماوردي: فَإِنْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَلَا اجْتِهَادَ لَنَا فِيهِ، وَحُكْمُ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِنَا، وَقَالَ مالكٌ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اجْتِهَادِ فَقِيهَيْنِ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِالرُّجُوعِ فِيهِ إِلَى حُكْمِ ذَوَيْ عدلٍ. وَعَدَالَةُ الصَّحَابَةِ أَوْكَدُ مِنْ عَدَالَتِنَا؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا الْوَحْيَ وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ وَالتَّأْوِيلَ؛ فَكَانَ حُكْمُهُمْ أَوْلَى مِنْ حُكْمِنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّحَابَةَ إِذَا حَكَمُوا بِشَيْءٍ أَوْ حَكَمَ بَعْضُهُمْ بِهِ، وَسَكَتَ بَاقُوهُمْ عَلَيْهِ، صَارَ إِجْمَاعًا. وَمَا انْعَقَدَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُؤَدِّيَ الِاجْتِهَادُ إِلَى غَيْرِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَكَذَا حُكْمُ التَّابِعِينَ كَحُكْمِ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، وَمِنْهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيهِ حُكْمٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ فَقِيهَيْنِ عَدْلَيْنِ. «الحاوي» (٤/ ٢٩١).
(٢) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٣٥٦).
(٣) «الذخيرة» (٣/ ٣٣١)، و «الحاوي» (٤/ ٢٩١).
(٤) «المغني» (٥/ ٤٠٥).

<<  <   >  >>