للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن الآية دلت على أن إحباط الردة للعمل، فيجب عليه حجة جديدة.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: بأن قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] هذا دليل مُطْلَق يدل على أن الردة تُحْبِط الأعمال، وهو مُقَيَّد بمن ارتد، فلم يَزَل مُرتدًّا حتى مات على الكفر؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧] فلو ارتد ثم عاد للإسلام، فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تَبطل.

الثاني: ما قاله ابن حزم: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ فِيهَا: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك الَّذِي عَمِلْت قَبْلَ أَنْ تُشْرِكَ) وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ بَعْدَ الشِّرْكِ إِذَا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، لَا إِذَا أَسْلَمَ (١).

وقد أفتت اللجنة الدائمة بأن مَنْ كان مسلمًا فحج، ثم ارتد بارتكابه ما يُخرجه من ملة الإسلام، ثم تاب وعاد إلى الإسلام، أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام؛ لكونه أدى الحج وهو مسلم. وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يَحبط بموته على الكفر؛ لقوله ﷿: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧] (٢).

الشرط الثاني: العقل، وفيه مبحثان:

[المبحث الأول: لا يجب الحج على المجنون]

فلا يجب الحج على المجنون، ولا تجزئ عن حجة الإسلام إن وقعت منه.

ودل على ذلك النصُّ والإجماع:

أما النص، فعموم قول النبي : «رُفِعَ الْقَلَمُ … وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».

وأما الإجماع، فقد أَجْمَع العلماء على أنه لا يجب الحج على المجنون (٣).


(١) «المُحَلَّى» (٥/ ٣٢٢).
(٢) «فتاوى اللجنة الدائمة» (١١/ ٢٧).
(٣) قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أن ذلك لا يُجْزِئه عن حَجة الإسلام. (ص: ٧٣)، وكذا نَقَل الإجماع: النووي في «المجموع» (٧/ ٢٠)، والمَرْداوي في «الإنصاف» (٨/ ١٢).

<<  <   >  >>