للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني: تُسَن الخطبة يوم عرفة: وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: تُسَن خطبة عرفة:

وتُسَن خُطبة يوم عرفة بعد الزوال قبل الصلاة، بالسُّنة والإجماع.

أما السُّنة، ففي حديث جابر: «ضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ».

وأما الإجماع، فقال ابن تيمية: وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، قَالَ أَحْمَدُ: خُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ فِيهَا (١).

المطلب الثاني: هل خطبة عرفة خُطبة واحدة، أو خُطبتان؟

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن خُطبة عرفة خطبة واحدة؛ لِما ورد في حديث جابر، وفيه: «فَخَطَبَ النَّاسَ» أي أنها خُطبة واحدة، ولم يُبيِّن أنه خطب خطبتين. وهذا مذهب الحنابلة (٢).

القول الآخَر: أن خطبة عرفة خطبتان، يَفصل بينهما بجلسة. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية (٣).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما السُّنة، فاستدلوا بما روى جابر: «فَرَاحَ النَّبِيُّ إِلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الأُولَى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ مِنَ الأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الْعَصْرَ» (٤).


(١) «شرح العمدة» (٢/ ٤٩٨). وهذا الإجماع منخرم، قال النووي: وَقَوْلُهُ: «فَخَطَبَ النَّاسَ» فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ لِلْإِمَامِ بِالْحَجِيجِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ. «شرح مسلم» (٨/ ١٨٢).
(٢) قال ابن القيم: خَطَب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين. «زاد المعاد» (٢/ ٢٣٤).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٥١)، و «المُدوَّنة» (١/ ٢٣١)، و «المجموع» (٨/ ٨٦).
(٤) منكر: أخرجه الشافعي (٩٨٩) ومن طريقه البيهقي (٩٥٢٩).
وذِكر الخطبة الثانية منكر لتَفرُّد إبراهيم بن أَبي يحيى بها، وهو متروك.
قال البيهقي: تَفَرَّدَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ إِبرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَفِي حَدِيثِ حَاتِمِ بن إِسماعِيلَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَخْذِ النَّبِيِّ فِي الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.

<<  <   >  >>