للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا الحديث صريح في أن خطبة يوم عرفة خطبتان.

ونوقش بأن هذا الحديث ضعيف؛ ففيه إبراهيم بن أبي يحيى، وقد تركوه. وأصل حديث جابر في «صحيح مسلم» وليس فيه إلا خطبة واحدة.

ومما يدل على نكارته أن بلالًا يؤذن، والنبي يَخطب، فكيف يَستمع للخُطبة؟!

واستدلوا أيضًا بالقياس على خطبة الجمعة.

ونوقش بأن الذي ورد في حديث جابر خُطبة واحدة، ولا قياس مع النص (١).

المطلب الثالث: وقت خطبة يوم عرفة:

ذهب جماهير العلماء إلى أن من السُّنة أنها تكون بعد زوال الشمس قبل الصلاة. وبه قال أبو حنيفة والمالكية والشافعية والحنابلة (٢).

واستدلوا بما رواه مسلم: قَالَ جَابِرٌ: «حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ … ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ» (٣).

فهذا صريح في أن الخُطبة كانت بعد زوال الشمس، وأن الخُطبة قبل الصلاة. ولكن يُشْكِل على هذا حديث ابن عمر، وفيه: «فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ» (٤).


(١) «زاد المعاد» (٢/ ٢٨١).
(٢) المبسوط (٢/ ٤٢)، و «الفواكه الدواني» (١/ ٣٩٠)، و «المجموع» (٨/ ٨٩)، و «كشاف القناع» (٢/ ٤٩١).
(٣) رواه مسلم (١٢١٨).
(٤) منكر: أخرجه أحمد (٦١٣٠) من طريق ابن إسحاق، حدثني نافع، عن ابن عمر، به.
قال ابن حجر: وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ- وَذَكَرَ الحَدِيثَ قَالَ-: وَهَذَا بِخِلَاف مَا رَوَاهُ جَابرٌ وَابْنُ الزُّبَيْرِ. وَابْنُ إِسْحَاقَ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَضْلًا عَمَّا إِذَا خَالفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ. «الدراية» (٢/ ١٩). وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَالْمُسْلِمُونَ. وَأَعَلَّهُ هُوَ وَابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِابْنِ إِسْحَاقَ. «نَصْب الراية» (٣/ ٦٠).

<<  <   >  >>