للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القياس، فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَحْمَهَا لَا يُبَاعُ، فَكَذَلِكَ الْجُلُودُ وَالْجِلَالُ (١).

القول الآخَر: جواز بيعه والتصدق بثمنه. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج: ٣٧] أي أن المُحَرَّم بيع اللحم، أما الجِلد فلا بأس ببيعه والتصدق بثمنه على المحتاجين.

ونوقش بأنه لا يَجوز للمضحي أن يبيع جِلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، فلم يَجُز أخذ العوض؛ ولذا لا يُعطِي الجزار منها شيئًا على سبيل الأجرة.

والراجح: جواز إعطاء الجلود للجمعيات الخيرية التي تتولى بيعه والتصدق بثمنه؛ لأن أكثر الناس لا ينتفعون بجِلد الأضحية، فبيع الجمعيات الخيرية الجِلد والتصدق بثمنه على الفقراء -عَمَل خير وعَمَل بِر، ولا يجوز بيع المضحي جِلد الأضحية لنفسه.

فالحاصل: أنه يجوز بيع جلد الأضحية، وصَرْف ثمنه مصرف الأضحية، والله أعلم.

المبحث السابع: الاستعاضة بثمن الهَدْي:

دلت النصوص على عدم جواز الاستعاضة عن ذبح هديه بالتصدق بقيمته.

واستدلوا بالكتاب بالسُّنة والمعقول:

أما الكتاب، فقال تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الدلالة: أن الله أوجب على المتمتع في حال القدرة الهَدْي، فإذا لم يجد هديًا أو ثمنه فإنه ينتقل إلى الصيام، ولم يَجعل واسطة بين الهَدْي والصيام. ومَن قال بالتصدق، فإنه يُطالَب بدليل يخالف ذلك.

وأما السُّنة، فاستدلوا بأن النَّبِيَّ أَهْدَى وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ لَعَدَلُوا إِلَيْهَا، وَبِأَنَّ إِيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الهَدْيِ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ .


(١) «فتح الباري» (٣/ ٥٥٦).
(٢) «تبيين الحقائق» (٦/ ٩)، و «الإنصاف» (٤/ ٩٣). وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَةِ. «فتح الباري» (٣/ ٥٥٦).

<<  <   >  >>