وأما المعقول، فهو أن الهَدْي له وقت يَفوت بفوات وقته، والتصدق لا يَفوت، فكان أَفْضَل. ونظيره الطواف للآفاقي أَفْضَل من الصلاة؛ لأنه بالرجوع يَفوت، بخلاف المكي.
شبهتا مَنْ قال بجواز الاستعاضة عن ذبح هديه بالتصدق بقيمته، والجواب عنهما:
الشبهة الأولى: يَجوز الاستعاضة عن ذبح هديه بالتصدق بقيمته؛ نظرًا لصعوبة تنظيم الذبح في الوقت الحاضر، ومع تزايد عدد الحُجاج؛ فيفضي ذلك إلى تكدس كميات كبيرة من اللحوم لا يَنتفع منها أحد.
وأجيب عنها من وجهين:
الأول: أنه يَجوز نقل الهَدْي خارج الحَرَم إذا كان زائدًا عن حاجة مساكين الحَرَم، ولا سيما بعض البلدان التي بها حروب ومجاعات، ومع التقدم الحديث يَسهل ذلك.
الثاني: أن الهَدْي فيه جَمْع بين قُربتين: التقرب بإراقة الدم، والتصدق باللحم. بخلاف الصدقة بثمنها، ولا شك أن الجَمْع بين القريتين أَفْضَل.
الشبهة الثانية: ما يَجري عليه بعض الحُجاج من تسليم ثمن الهَدْي الواجب عليهم، لمن ليس بأهل لذلك بصفة التوكيل، حيث لا يُباشِرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم، فالتصدق بثمن الهَدْي أفضل من هذا.
وأجيب عن هذه الشبهة من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه يجب على الحاج ألا يُسَلِّم ثمن الهَدْي الواجب عليه إلا إلى جهة موثوقة، تقوم بعمليات الشراء والذبح، والتصدق باللحوم على مستحقيها، فمَن وجب عليه الهَدْي وجب عليه أن يتحرى في إيصاله إلى مستحقه، كما في قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٧].
الثاني: أن قولهم: (الاستعاضة عن ذبح هديه بالتصدق بقيمته) يَفتح باب تلاعب في الشريعة، فلا يكون للنصوص قيمة، والنسك عبادة مبنية على التوقيف، فلا يَجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي.