للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القياس، فاستدلوا بأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ الْمُحْصَرِ تَحَلُّلٌ قَبْلَ أَوَانِ التَّحَلُّلِ، يُبَاحُ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ بِبَقَائِهِ مُحْرِمًا؛ رُخْصَةً وَتَيْسِيرًا، فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، كَالطَّوَافِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ فَائِتُ الْحَجِّ؛ إِذِ الْمُحْصَرُ فَائِتُ الْحَجِّ (١).

القول الآخَر: أنه لا يَجوز ذبح هَدْي الإحصار إلا يوم النحر. وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، وهو رواية عند الحنابلة (٢).

واستدلوا بِأَنَّ لِلْهَدْيِ مَحِلَّ زَمَانٍ وَمَحِلَّ مَكَانٍ، فَإِنْ عَجَزَ مَحِلُّ الْمَكَانِ فَسَقَطَ، بَقِيَ مَحِلُّ الزَّمَانِ وَاجِبًا لِإِمْكَانِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ نَحْرُ الْهَدْيِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، لَمْ يَجُزِ التَّحَلُّلُ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] (٣).

والراجح: أنه يَجوز ذبح هَدْي الإحصار قبل يوم النحر؛ لظاهر قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وهذا يقتضي جواز نحره عَقيب الإحصار، ولم يَخص الله وقتًا دون وقت لنحر الهَدْي للمُحْصَر. وكذا لفِعل النبي وأصحابه يوم الحُديبية، فقد قال لأَصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا».

الفرع الرابع: العجز عن دم الإحصار:

اختَلف العلماء فيما إذا عجز المُحْصَر عن الهَدْي على أقوال، منها:

القول الأول: مَنْ لم يجد الهَدْي يَلزمه أن يصوم عَشَرة أيام ثم يحل. وهو قول عند الشافعية، ومذهب الحنابلة (٤). واستدلوا بالقياس على دم التمتع.

القول الآخَر: أن مَنْ لم يجد الهَدْي ليس عليه بدل، وله أن يتحلل. وهو مذهب الحنفية، وقول عند الشافعية (٥).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٨١).
(٢) «المبسوط» (٤/ ١٠٩)، و «الإنصاف» (٣/ ٥٢٠).
(٣) «المغني» (٥/ ١٩٨).
(٤) «المجموع» (٨/ ٢٩٩)، و «كشاف القناع» (٢/ ٤٥٥)، وهو قول أشهب «الذخيرة» (٣/ ١٨٩).
(٥) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥٩١)، و «المجموع» (٧/ ٥١٦).

<<  <   >  >>