للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والراجح: أنه يُشترَط لطواف الوداع أن يكون بعد الفراغ من جميع أعمال المناسك، ويَعقبه الخروج من غير مُكْث، وليس على الحاج بمكة بعد انتهائه من أيام التشريق، الخارج إلى التنعيم- وداع ولا دم؛ لأن النبي قال: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» ولم يَرِد أنه أَمَر عائشة بطواف الوداع قبل عمرة التنعيم.

المبحث السابع: هل صح دعاء مُعَيَّن بعد طواف الوداع؟

لم يصح في هذا الباب حديث، وهذه بعض الآثار في هذا الصدد:

فَعَنِ المُهَاجِرِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الرَّجُلِ يَقْضِي صَلَاتَهُ وَطَوَافَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَيَسْتَقْبِلُ البَيْتَ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى يَفْعَلُ هَذَا إِلَّا اليَهُودَ (١).

وَعَنْ عَطَاءِ قَالَ: رَأَى ابْنُ عَمْرٍو رَجُلًا خَرَجَ مِنَ الْكَعْبَةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَقَالَ: هَكَذَا تَصْنَعُ الْيَهُودُ فِي كَنَائِسِهَا، لِيَدْعُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا شَاءَ، ثُمَّ لِيَقُمْ (٢).

والحاصل: أنه لم يَرِد في هذا الباب غير طواف الوداع، وخَيْر الهَدْي هَدْي محمد القائل: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ»، ولم يصح عنه دعاء مُعَيَّن بعد طواف الوداع، وأما ما يفعله بعض الناس بعد طواف الوداع، وهو أن يسير بظهره، حتى يصل إلى الباب الذي يَخرج منه، فلم يَرِد هذا الفعل عن رسول الله ولا عن صحابته.


(١) إسناده ضعيف: أخرجه ابن خُزيمة (٢٧٠٥)، وفيه قَزْعَة بن سُويد، وهو ضعيف.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (٤٢٢) وعبد الرزاق (٥/ ٧٧). وأخرج الفاكهي في «أخبار مكة» (٧٠٨): عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا أَرَدْتَ وَدَاعَ الْبَيْتِ فَارْتَحِلْ، ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ سَبْعِكَ، فَأْتِ الْمُلْتَزَمَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَضَعْ خَدَّيْكَ بَيْنَهُمَا، وَابْسُطْ يَدَيْكَ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ هَذَا وَدَاعِي بَيْتَكَ، فَحَرِّمْنِي وَعِيَالِي عَلَى النَّارِ. اللَّهُمَّ خَرَجْتُ إِلَيْكَ بِغَيْرِ مِنَّةٍ عَلَيْكَ، أَنْتَ أَخْرَجْتَنِي، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ غَفَرْتَ ذُنُوبِي، وَأَصْلَحْتَ عُيُوبِي، وَطَهَّرْتَ قَلْبِي، وَكَفَيْتَنِي الْمُهِمَّ مِنْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي؛ فَلَا يَنْقَلِبُ الْمُنْقَلِبُونَ إِلَّا لِفَضْلٍ مِنْكَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَذُنُوبِي وَمَا قَدَّمَتْ يَدَايَ، فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي.
ثُمَّ تَنَحَّ خَلْفَ الْمَقَامِ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتُطِيلُ فِيهِمَا، وَلَا تَأْلُ أَنْ تُحْسِنَ الدُّعَاءَ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ إِلَى زَمْزَمَ، فَاسْتَقِ دَلْوًا فَاشْرَبْ، وَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. ثُمَّ تَنْصَرِفُ حَتَّى إِذَا كُنْتَ عَلَى بَعْضِ الْأَبْوَابِ مِنَ الْمَسْجِدِ، رَمَيْتَهَا بِطَرْفِكَ، وَتَحَزَّنْ عَلَى فِرَاقِهَا، وَتَمَنَّ الرَّجْعَةَ إِلَيْهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوَدَاعَ إِنْ شَاءَ اللهُ.
وفي إسناده إبراهيم بن الحَكَم، وهو ضعيف جدًّا.

<<  <   >  >>