للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بأن المراد ببلوغ الهَدْي محله: وصوله إلى الموضع الذي يَحِل ذبحه فيه، سواء ذُبِح أو لم يُذبَح، فلم يقل الله تعالى: (حتى تَنحروا) وكذا لا يَجوز حَلْق الشَّعر قبل التحلل الأول، ولا يَحصل إلا برمي الجمرة؛ فلذا لا يَجوز الحلق قبل الرمي.

واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] فالله ﷿ رَتَّب قضاء التَّفَث- وهو الحَلْق- على الذبح، وهذا يدل على الوجوب.

القول الثالث: أنه يجب تقديم الرمي على الحَلْق وعلى طواف الإفاضة، وما سِوي ذلك فسُنة. وهذا مذهب المالكية.

القول الرابع: أنه يَجوز التقديم والتأخير في حق الناسي والجاهل، أما العَالِم فإذا قَدَّم ما كان حقه التأخير في يوم النحر، فإنه يَجبر ذلك بدم. وهذا رُوي عن أحمد في رواية (١).

واستَدل أحمد بما ورد عن ابن عمرو، وفيه: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ! فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» (٢).

قوله: (لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ) دل على أن الرخصة في التقديم والتأخير مُقيَّدة بعذر الجهل والنسيان والخطأ؛ لأن هذه الرواية مُقيَّدة بعدم الشعور الذي يتضمن عدم الفطنة للشيء، جهلًا أو نسيانًا أو خطأ. وقالوا: إن المُطْلَق يُحْمَل على المُقيَّد (٣).

واعتُرض عليه بأن النبي لم يَسأل السائل في الرواية المُطْلَقة عن الجهل والنسيان، مع تعدد السائلين، لم يُفَرِّق النبي بين عالم وجاهل. ولو كان الدم واجبّا لبَيَّنه النبي لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأن بعض أفراد العام لا يُخصِّصه.

والراجح: أن ترتيب أعمال يوم النحر (الرمي، ثم النحر، ثم الحَلْق، ثم الطواف) سُنة؛ لأن النبي ما سُئل يومئذٍ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر، إلا قال: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ».


(١) «الإنصاف» (٤/ ٤٢).
(٢) البخاري (٨٣)، ومسلم (١٣٠٦).
(٣) قال ابن دقيق العيد: ويُبنَى أيضًا على القاعدة، في أن الحُكْم إذا رُتِّب على وصف يمكن أن يكون معتبرًا، لم يَجُز اطراحه وإلحاق غيره مما لا يساويه به، ولا شك أن عدم الشعور وَصْف مناسب لعدم التكليف. والحُكْم عُلِّق به، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به؛ إذ لا يساويه. «إحكام الأحكام» (ص: ٣٣٢).

<<  <   >  >>