للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحاصل: يُشترط في وجوب الحج الاستطاعة المالية، وتشمل أربعة أمور:

الأول: أن يَملك من المال ما يصل به إلى مكة، من تأشيرة وتذكرة ذَهابًا وإيابًا.

الثاني: أن يكون معه من النقود في سفره ما يكفي حوائجه الأصلية، مَطْعمًا وملبسًا وغيرهما، مما لا بد منه على ما يليق بحاله، من غير إسراف ولا تقتير.

الثالث: أن يَترك نفقة عياله ومَن تَلزمه نفقتهم من مطعم وملبس ومسكن، وكل ما يليق بهم عادة، من غير إسراف ولا تقتير، مدة ذَهابه وإيابه.

الرابع: أن يَقضي دَيْنه قبل سفره؛ لأن الدَّيْن من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصلية، فهو آكد، وسواء كان الدَّين لآدمي أو لِحَقّ الله تعالى كزكاة في ذمته (٢).

المسألة الثانية: مَنْ وجب عليه الحج، وأراد أن يتزوج، وليس عنده من المال إلا ما يَكفي لأحدهما. فهذا لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: مَنْ اشتدت حاجته إلى الزواج، مثل أن يكون شابًّا شديد الشهوة، ويَخشى على نفسه من الوقوع في الزنا. فهذا يكون الزواج في حقه مُقَدَّمًا على الحج. نُقِل الاتفاق على ذلك (٣).

ودل على ذلك الكتاب والسُّنة والمعقول:

أما الكتاب، فقوله سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ فمَن اشتدت حاجته إلى الزواج ويشق عليه تركه، وليس عنده من النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج- ليس مستطيعًا إلى البيت سبيلًا؛ لأن الزواج يكون بمنزلة الطعام الذي من حوائجه الأصلية، فيُقَدَّم على الحج. وهذا من تيسير الله ﷿ على عباده، أنه لا يكلفهم من العبادة ما يَشُق عليهم، حتى وإن كان من أركان الإسلام كالحج.


(٢) «العناية» (٢/ ٤١٧، ٤١٨)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤٦٤)، و «الشرح الممتع» (٧/ ٢٥).
(٣) نُقِل الإجماع في «مَجْمَع الأنهر» (١/ ٣٨٣)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٦٢) لكن نوزع في ادعاء الإجماع، كما في «الإنصاف» (٣/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>