للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مزدلفة. وهذا مذهب المالكية، وقول للشافعية، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بأن النبي في حِجة الوداع كان يَقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة وفي أيام مِنًى، وكان يصلي خَلْفه أهل مكة، فصَلَّوْا بصلاته قَصْرًا وجَمْعًا، ولم يَثبت ما يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في مِنًى ولا مزدلفة ولا عرفة. كذلك أبو بكر وعمر بعده وسائر الأمراء، هكذا لا يُصَلُّون إلا ركعتين، فعُلِم أن ذلك سُنة الموضع.

القول الآخَر: لا يَقصر المكي. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية في الأصح، والحنابلة (٢).

واستدلوا بأن القصر أبيح للسفر، وأهل مكة غير مسافرين، فليس لهم القَصْر.

واعتُرض عليه بأنه لا قياس مع النص؛ فقد قَصَر النبي وقَصَر معه أهل مكة، ولم يَرِد أنهم أتموا أو أَمَرهم النبي بالإتمام.

قال ابن القيم: ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضًا، ومعه أهل مكة، وصَلَّوْا بصلاته قَصْرًا وجَمْعًا بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجَمْع (٣).

واستدلوا بعموم ما رُوي عن ابن عباس، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَسْفَانَ».

ونوقش بأنه لا يصح عن النبي .

والراجح: أنه ليست العلة في القصر مجرد السفر، بل العلة الاشتغال بالنسك، فيَجوز القصر لكل أحد هناك، سواء كان مِنْ أهل مكة أو عرفات أو غيرهما.

وأما ما قاله ابن تيمية: وَأَمَّا الْقَصْرُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ السَّفَرِ، وَلَا تَعَلُّقَ له بِالنُّسُكِ، وَلَا مُسَوِّغَ لِقَصْرِ أَهْلِ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهَا، إلَّا أَنَّهُمْ بِسَفَرِ وَعَرَفَةُ عَنِ الْمَسْجِدِ بَرِيدٌ، فَهَذَا قَصْرٌ فِي سَفَرٍ قَدْرُهُ بَرِيدٌ، وَهُمْ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مِنًى كَانُوا فِي الرُّجُوعِ مِنَ السَّفَرِ. وَأَيُّ


(١) قال مالك: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى، مَا أَقَامُوا بِهِمَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ. «الموطأ» (١/ ٥٣٩)، وانظر: «التمهيد» (١٠/ ١٣، ١٤)، و «المجموع» (٨/ ٨٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٥٢)، و «المجموع» (٨/ ٩١)، و «المغني» (٥/ ٢٦٥).
(٣) «زاد المعاد» (٢/ ٢١٦).

<<  <   >  >>