للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الجِبَالِ، كَأَنَّهَا العَمَائِمُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ، دَفَعُوا، وَيَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ، حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَتْ عَلَى رُءُوسِ الجِبَالِ، كَأَنَّهَا العَمَائِمُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ، دَفَعُوا، فَأَخَّرَ رَسُولُ اللهِ الدَّفْعَةَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ بِالمُزْدَلِفَةِ، حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ دَفَعَ حِينَ أَسْفَرَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الوَقْتِ الآخَرِ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ (١).

وأما دليلهم من المعقول، فاستدلوا بأنه لو كان يَجوز الدفع من عرفة قبل غروب الشمس، لَفَعَله النبي لبيان الجواز، ولخَشية الزحام الذي لا نظير له في سائر المشاعر، وأنه لو كان جائزًا لرُخص للضَّعَفة أن يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل الغروب، كما رُخص لهم أن يدفعوا من مزدلفة بعد غيبوبة القمر إلى مِنًى.

القول الثاني: أن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس سُنة؛ لعموم قول النبي : « … وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» فيجزئ الوقوف بعرفة في أي جزء من الليل أو النهار، ومَن تَرَك الوقوف إلى الغروب فقد تَرَك الأفضل. وبه قال الشافعية، وهو رواية


(١) ضعيف: أخرجه ابن خُزيمة (٢٩١٨) وفي إسناده زَمْعة بن صالح، ضعيف.
وله شاهد عن المِسْوَر بن مَخْرَمَة، ومداره على ابن جُريج، واختُلف عليه، فرُوي عنه موصولًا ومرسلًا، فرواه الحاكم (٣١٣٨) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، بِهِ.
وقد أُعِلَّ بعلتين:
الأولى: أن الحديث رُوي مرسلًا، فروى الشافعي في «الأم» (١٣٤٨) عن مسلم بن خالد، وأبو داود في «مراسيله» (١٥١) عن محمد بن العلاء عن عبد الله بن إدريس، كلاهما عن ابن جُريج، عن محمد بن قيس بن مَخْرَمة قال: خَطَب رسول الله … فذَكَره مرسلًا، وقد رَجَّح البيهقي الرواية المرسلة (٩٥٩٨).
الثانية: أن ابن جُريج مدلس وقد عنعن، وثَبَت تدليسه في هذا الحديث، فقد روى ابن أبي شيبة (١٥١٨٤): حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، بِهِ.
وقد قال أحمد: إذا قال ابن جُريج: (قال فلان، وقال فلان، وأُخْبِرْتُ) جاء بمناكير، وإذا قال: (أَخْبَرني وسَمعتُ) فحَسْبك. «تهذيب التهذيب» (٦/ ٣٥٩).
وقال الدارقطني: يُتَجَنَّب تدليسه؛ فإنه فاحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سَمِعه من مجروح، مِثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عُبَيْدة وغيرهم. «سؤالات الحاكم للدارقطني» (ص: ١٧٤).
وله شاهد آخَر مرسل، أخرجه ابن حزم في «المُحَلَّى» (٥/ ١١٨) من طريق عبد الرزاق عن مَعْمَر، عن رجل، عن سعيد بن جُبَيْر، مرسلًا، به، وقال: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ.

<<  <   >  >>