للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُكْرَهًا، فلا شيء عليه.

واستدلوا بعموم الأدلة الدالة على العفو عن الخطأ والنسيان، كقول الصحابة: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فقال الله: «قَدْ فَعَلْتُ» (١).

وأما السُّنة، فَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مَرْفُوعًا: فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ العُمْرَةِ؟» فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ: «اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ» (٢).

وَجْه الدلالة: أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَأْمُرْهُ بِفِدْيَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ لَأَمَرَهُ بِهَا، كَمَا أَمَرَهُ بِنَزْعِ الْجُبَّةِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ غَيْرُ جَائِزٍ إِجْمَاعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ (٣).

وأما القياس، فقياس مَنْ فَعَل شيئًا من محظورات الإحرام ناسيًا على الأكل أو الشرب ناسيًا في نهار رمضان، فإنه لا يَفسد الصوم ولا قضاء فيه.

القول الآخَر: أن الفدية لا تَسقط بفعل المحظورات نسيانًا أو جهلًا أو إكراهًا، ولكن يَسقط الإثم بارتكاب المحظور. وهو مذهب الحنفية والمالكية، ورواية عن الحنابلة (٤).

واستدلوا بالقياس على أمرين:

الأول: بِأَنَّ الْفِدْيَةَ جَابِرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْ خَلَلِ الْإِحْرَامِ، وَالْجَابِرُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ، كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الخَطَأِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْعَمْدُ فِي الْإِثْمِ (٥).

واعتُرض عليه بِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الفَارِقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ، فَصَارَ مَخْصُوصًا- أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، والْأَصْلُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ؛ فَخَرَجَ


(١) «صحيح مسلم» (١٢٦).
(٢) رواه البخاري (١٥٣٦)، ومسلم (١١٨٠).
(٣) «التمهيد» (٢/ ٢٦٢)، و «المغني» (٥/ ٣٩٢).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٨٨)، و «الذخيرة» (٣/ ٣٠١). وقال ابن قُدامة: وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ. «المغني» (٥/ ٣٩٢).
(٥) «الذخيرة» للقرافي (٣/ ٣٠٥). وقال ابن القيم: الفَرْق أن مَنْ فَعَل المحظور ناسيًا يُجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرًا في سقوطه، كما كان فعل المحظور ناسيًا عذرًا في سقوط الإثم عن فاعله. «إعلام المُوقِّعين» (٢/ ٥١).

<<  <   >  >>