للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضلًا عن كونه شرطًا في الطواف.

وأجيب عنه: بأن طوافه على طهارة جاء بيانًا وتفصيلًا لمُجْمَل قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ إِذَا كَانَ لِبَيَانِ نَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ عَلَى اللُّزُومِ وَالتَّحَتُّمِ؛ وَلِذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ; لِأَنَّ قَطْعَ النَّبِيِّ لِلسَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] (١).

الدليل الرابع: أن الطواف كالصلاة، وإذا كان يُشترَط للصلاة الطهارة من الحدثين، فكذا الطواف. دل على ذلك ما رُوي عن ابن عباس أن النبي قال: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ» (٢).

القول الثاني: أن الطهارة من الحَدَث في الطواف واجبة، وليست شرطًا لصحته، فمَن طاف مُحْدِثًا أعاد ما دام في مكة، فإِنْ تَعَذَّرَتْ عليه الإعادة لبُعده جَبَره بدم. وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية، ورواية عن أحمد (٣).


(١) «المجموع» (٨/ ١٨).
(٢) مدار الحديث على طاوس عن ابن عباس، واختُلف في وقفه ورفعه: ويرويه عن طاوس جماعة:
الأول: عطاء بن السائب، فرواه جَرير بن عبد الحميد عند الترمذي (٣/ ٩٣)، والثوري وابن عُيينة، عند الحاكم (١/ ٤٥٩)، والفُضيل بن عِياض عند الدارمي (١٨٤٧) فرووه عن عطاء به، مرفوعًا.
وخالفهم ابن فُضَيْل، فرواه عن عطاء موقوفًا. أخرجه ابن أبي شيبة (١٢٨٠٦).
ولا شك أن رواية الجماعة أَوْلى بالرفع عن عطاء.
الثاني: ورواه ليث بن أبي سُليم، عن طاوس مرفوعًا، عند الطبراني (١١/ ٤٣)، وليث ضعيف.
الثالث والرابع: رواه ابن طاوس وابن مَيْسَرة، عند عبد الرزاق (٩٧٨٩، ٩٧٩٠)، به موقوفًا.
وإذا كان ورد مرفوعًا عن عبد الله بن طاوس عند الطبراني (١١/ ٣٤٠، ٣٤١)، فقد قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٢٢٦): رَفَعه محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير، وهو ضعيف.
الخامس: رواه الحسن بن مسلم عن طاوس، موقوفًا عند النَّسَائي (٢٩٢٢).
فالحاصل: رواه عبد الله بن طاوس، والحسن بن مسلم، وإبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، على الوقف، وخالفهم عطاء بن السائب فرفعه، والموقوف أصح.
ورَجَّح الموقوف النَّسَائي والترمذي والبيهقي والنووي وغيرهم، كما في «التلخيص» (١/ ٢٢٥).
(٣) «بدائع الصنائع» (٤/ ٦٩)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٦٨)، و «المغني» (٥/ ٢١٣).

<<  <   >  >>