للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالسُّنة والمأثور والقياس:

أما السُّنة، فعموم قول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» (١) فدل هذا الحديث على أن طواف الوداع يكون للحُجاج دون غيرهم.

واستدلوا بقول النبي : «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» (٢).

وَجْه الدلالة: أن النبي عَلَّق طواف الوداع بالحج، فدل على عدم وجوبه في العمرة.

وأما دليلهم من المأثور، فعن عمر بن الخطاب قال: «لَا يَصْدُرَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؛ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ» (٣).

وأما دليلهم من القياس، فيقاس طواف الوداع على طواف القدوم، فإنه إذا كان لا يجب على المعتمر طواف القدوم بالإجماع، فكذا لا يجب عليه طواف الوداع.

القول الآخَر: أن طواف الوداع واجب على المعتمر إذا فارق مكة ورجع إلى بلده. وهو قول بعض الحنفية، وقول عند الشافعية، وقول عند الحنابلة (٤).

واستدلوا بقول النبي : «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ، فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ» (٥).


(١) صحيح دون لفظة: «مِنَ الْحَاجِّ» فهي شاذة. ومدار الحديث على ابن عُيينة، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فرواه الشافعي في «مسنده» (١٠٢٩) به، فزاد لفظة: «مِنَ الْحَاجِّ».
وخالف الشافعيَّ الثقات الأثبات بدون زيادة: «مِنَ الْحَاجِّ» منهم: سعيد بن منصور، وزُهَيْر بن حرب عند مسلم (١٣٢٧)، وأحمد (١٩٣٦)، ومحمد بن يوسف عند الدارمي في «سُننه» (١٩٥٦)، ويونس بن عبدِ الأعلى عند ابن خُزيمة (٣٠٠٠)، وغيرهم. جمعيهم عن ابن عُيينة به، بدون لفظة «مِنَ الْحَاجِّ» فهي شاذة؛ لمخالفة الشافعي للثقات الأثبات والأئمة الحُفاظ عن ابن عُيينة.
ومما يؤكد شذوذ هذه اللفظة: ما رواه البخاري (١٧٥٥): عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِهِ. بدون هذه اللفظة.
(٢) ضعيف: أخرجه مُسَدَّد كما في «المطالب العالية» (١٢٨٩) من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء مرسلًا، وقد ضُعف لحال ابن أبي ليلى والإرسال.
(٣) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٣٦٩) ومن طريقه الشافعي في «مسنده» (٢/ ٢٨٨).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٧)، و «الحاوي» (٤/ ٢١٣)، و «مَطالب أُولِي النَّهَى» (٢/ ٤٣٦).
(٥) إسناده ضعيف بهذه السياقة؛ لضَعْف الحَجَّاجِ بن أرطاة وعبد الرحمن بن البَيْلَمانيّ، ولفظة «أَوِ اعْتَمَرَ» منكرة. أخرجه الترمذي (٩٤٤).
وفضلًا عن كونه كذلك، فهذا السند معلول؛ فقد خالف الحَجَّاجَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ثِقَةٌ، فَرَوَاهُ عَنِ الْحَارِثِ قَالَ: «أَتَيْتُ عُمَرَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ» رواه أبو داود (٢٠٠٤). وقد قال الترمذي: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الحَجَّاجِ بْنِ أرْطَاةَ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ خُولِفَ الحَجَّاجُ فِي بَعْضِ هَذَا الإِسْنَادِ.

<<  <   >  >>