للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالمأثور والمعقول:

أما المأثور، فَعَنْ سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَرَجَ حَاجًّا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ الْحَجَّ قَابِلًا فحُجَّ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (١).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ، فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، فَلْيَأْتِ البَيْتَ فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعًا، ثُمَّ لِيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ.

وأما المعقول، فَلِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَلَمْ يَنْقَلِبْ إِلَى الْآخَرِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَلْبُ العُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ.

قال ابن قُدامة: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ: (يَجْعَلُ إحْرَامَهُ عُمْرَةً) أَرَادَ بِهِ: يَفْعَلُ مَا فَعَلَ الْمُعْتَمِرُ، وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامًا بِعُمْرَةِ، بِحَيْثُ يُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ إِنْ لَمْ يَكُنِ اعْتَمَرَ (٢).

القول الثالث: أن عليه عَمَل ما بقي من مناسك الحج، كالرمي والمبيت بمِنًى … وغير ذلك من المناسك. وبه قال المُزَني من الشافعية، وهو رواية عن أحمد (٣).

قال ابن قُدامة: يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَا لَمْ يَفُتْ.

واعتُرض عليه بأنه كيف يُكمل حجًّا فاسدًا وباطلًا؟!

والراجح: أن مَنْ فاته الوقوف بعرفة يتحلل بطواف وسعي وحَلْق.


(١) إسناده ضعيف لانقطاعه؛ لأن سليمان لم يُدْرِك زمن القصة، ولم يُنْقَل أن أبا أيوب أخبره بها. «التلخيص» (٢/ ٥٥٥). أخرجه مالك (١١٣٣) عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سليمان، به.
(٢) «المغني» (٥/ ٤٢٦). والأفعال واحدة، والفارق بين القولين أن مَنْ قال: (يتحلل بعمرة) أن يَصِير إحرام الحج إحرامًا بعمرة، بحيث يُجْزئه عن عُمْرة الإسلام إن لم يكن اعتَمَر. والقول الآخَر: أن هذه الأفعال لا تُجْزئ عن العمرة، فرضًا ولا نفلًا.
(٣) «المهذب» (١/ ٤٢٥)، و «المغني» (٥/ ٤٢٥).

<<  <   >  >>