للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: حُكْم قضاء الحج النفل:

نُقِل الإجماع على أن المُفسِد لحِجة التطوع أو عُمرته عليه القضاء (١).

وهذا الإجماع منخرم؛ فهذا قول جماهير العلماء (٢).

واستدلوا بعموم قول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]

قال عمر في الذي يَفوته الحج: يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. وفي رواية: قَالَ الأَسْوَدُ: مَكَثْتُ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ.

واستدلوا بالقياس على النذر، فهو لا يجب بأصل الشرع، بل المكلف أوجبه على نفسه، فكذا حج النفل، مَنْ دَخَل فيه وجب عليه إتمامه. وَلَمَّا وَجَبَ بِالدُّخُولِ، صَارَ بِمَنْزِلَةِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ، فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ قَبْلِ إِتْمَامِهِ (٣).

القول الآخَر: إذا فسد حج التطوع، فلا يجب عليه القضاء. وهذا مذهب المالكية في رواية، والحنابلة في رواية، وهو قول ابن حزم (٤).

واستدلوا بعموم قول النبي : «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فالحج لا يجب إلا مرة في العمر، فلو وجب قضاء النافلة، لكان الحج واجبًا أكثر من مرة.

ولأنها عبادةُ تَطَوُّعٍ، فلم يجب قضاؤها، كسائر التطوعات.

ونوقش بأن المراد بالواجب في الحديث هو الواجب بأصل الشرع. ولأن الحج يَلزم بالشروع فيه، فيَصير كالمنذور، بخلاف سائر التطوعات.

والراجح: أنه يجب عليه القضاء؛ لأن الإنسان إذا شَرَع في النسك صار واجبًا، وهذا من خصائص الحج والعمرة، أن نفلهما يجب المضي فيه، بخلاف غيرهما، فهو لَمَّا شَرَع وأَحْرَم بالحج أو بالعمرة صار ذلك واجبًا، كأنما نذره نذرًا، وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩].


(١) «الاستذكار» (٣/ ٣٥٨).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢١٧)، و «المُدوَّنة» (١/ ٦٩٠)، و «الأم» (٢/ ١٣٠)، و «المغني» (٥/ ٤٢٦).
(٣) «أحكام القرآن» للجَصَّاص (١/ ٣٤٨)، و «المغني» (٥/ ٤٢٧).
(٤) «هداية السالك» (٣/ ٣١٢)، و «المغني» (٥/ ٤٢٧)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٩٦)، و «المُحَلَّى» (٧/ ٢٧٥).

<<  <   >  >>