للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن النبي شَبَّه وجوب قضاء الحج بدَين الآدمي، والدَّين لا يَسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحُكم.

القول الثالث: أن الحج لا يجزئ عن الميت. وبه قال ابن عمر، والقاسم (١).

واستدلوا بالقرآن والسُّنة والمأثور:

أما القرآن، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩].

وَجْه الدلالة: أن الحج ليس من سعي الإنسان، وإنما مِنْ سعي مَنْ حج عنه، فيكون القول بإجزاء الحج عن الميت مُخالِفًا للآية.

ونوقش بأن ظاهر الآية غير مراد؛ لأنه ثَبَت انتفاع الإنسان بسعي غيره، فثَبَتَ انتفاع الإنسان بدعاء غيره، مثل قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤] وشُرعت الصلاة على الميت للدعاء، وكذا الصدقة، والنبي سيشفع للعصاة من أمته … إلى غير ذلك. وكل ما ذُكِر ليس من سعي الإنسان. وإنما المراد أنه ليس له من سعي غيره نصيب، إلا إذا وهبه له، فحينئذٍ يكون له.

وأما السُّنة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (٢).

وَجْه الدلالة: أن النبي بَيَّن أن عمل الإنسان ينقطع بموته، إلا ما ذُكِر في الحديث، وليس منها الحج، فلا يجزئ فعله عن الميت.

ونوقش بأن النبي بَيَّن أن عمله انقطع بموته، لكنه لم يَنْفِ انتفاعه بعمل غيره.

وأما دليلهم من المأثور، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» (٣).


(١) ثَبَت هذا عن ابن عمر والنَّخَعي والقاسم، عند ابن أبي شيبة (١٥٨٠٥) (١٥٨٠٦) (١٥٨٠٧).
(٢) «صحيح مسلم» (١٦٣١).
(٣) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (١٥٨٠٥).

<<  <   >  >>