للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فاستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وحقيقة الطواف هي المشي حول البيت، وليس الراكب بطائف، بل الطائف حقيقةً مركوبه، وهو في حكمه، فأوجب ذلك نقصًا، فوجب جبره بالدم.

ونوقش بأن الله أَمَر بالطواف مطلقًا، فكيفما طاف ماشيًا أو راكبًا أجزأه.

وأما السُّنة، فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنِّي أَشْتَكِي، فقال: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» (١).

وَجْه الاستدلال: أن الركوب لغير عذر في الطواف لو كان جائزًا، لَمَا استأذنت أُم سلمة رسول الله وبَيَّنَتْ شكواها، مما يدل على أن الطواف راكبًا لا يَسوغ إلا بعذر.

ونوقش بأن هذا الاستدلال يتم إن لم يكن في الباب غير هذا الحديث، ولكن النبي طاف على بعير، وفِعله يدل على الإباحة، وهذا الحديث فيه إشارة إلى أن الطواف ماشيًا أفضل، وهذا متفق عليه.

القول الثالث: أن المشي مع القدرة شرط لصحة الطواف، فمَن طاف راكبًا وهو يستطيع أن يطوف ماشيًا، فطوافه باطل، ولا يُعتد به. وبه قال مالك في رواية، وأحمد في الرواية المشهورة عنه (٢).

واستدلوا بالسُّنة والمأثور:

أما السُّنة، فاستدلوا بعموم قول النبي : «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ» وإذا كان من أركان الصلاة القيام مع القدرة في الفريضة، ولا تصح فريضةُ مَنْ صلى جالسًا مع القدرة على القيام، فكذا مَنْ طاف راكبًا وهو يستطيع أن يطوف ماشيًا، فطوافه باطل.

ونوقش بأن هذا الحديث لا يصح. ولو صح فقياس الطواف على الصلاة فيه نظر؛ لأن القيام في الصلاة مع القدرة ركن بالإجماع، بخلاف الطواف، فقد ثَبَتَ أن الرسول طاف راكبًا من غير عذر.


(١) البخاري (٤٦٤)، ومسلم (١٢٧٦).
(٢) «التمهيد» (٢/ ٩٥)، و «المغني» (٥/ ٢٥٠)، و «الإنصاف» (٤/ ١٢)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٨١).

<<  <   >  >>