للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أن الواجب يتحقق بحلقِ أو تقصيرِ ربع الرأس (١).

واستدلوا بالقياس، فإذا كان يَجوز مسح ربع الرأس في الوضوء، فكذا يَجوز حلق ربع الرأس في الحج، والله قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] والباء للتبعيض، كما تقول: (مَسَحْتُ بالحائط) وهو مَسْح بجزء من الحائط.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن الباء هنا للإلصاق، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] وقد أجمعوا على أنه لا يَجوز الطواف ببعض البيت.

الثاني: أن النبي هو المُبيِّن للناس ما أُنْزِلَ إليه، وقد حَلَق جميع شعر رأسه، بدأ بالجانب الأيمن ثم الأيسر، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم».

القول الثالث: ذهب الشافعية إلى أنه يتحقق الواجب بحلقِ أو تقصيرِ ثلاث شعرات من الرأس؛ لعموم قوله تعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] والمعنى: محلقين شعوركم، جَمْع، وأقله ثلاث شعرات، فجاز الاقتصار على ثلاث (٢).

ونوقش بأن النبي هو المُبيِّن لِما أُنْزِلَ إليه، وقد حَلَق جميع شعره. ولو كان يَجوز حلق بعض الشَّعر وتَرْك البعض الآخَر، لبَيَّنه رسول الله . بل قد ورد النهي عن ذلك، فعن ابن عمر يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَنْهَى عَنِ القَزَعِ (٣).

والراجح: أنه يجب تعميم حَلْقِ أو تقصيرِ جميع شَعر الرأس في حج أو عمرة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: ٢٧] أي: جميع شعر الرأس. ولأن النبي حَلَق جميع شعر رأسه، وكذا الصحابة. ولو كان يَجوز حَلْق بعض الرأس لبَيَّنه النبي لأمته.


(١) «فتح القدير» (٢/ ٥٠٢)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٤١)، و «المبسوط» (٤/ ٧٠).
(٢) «المجموع» (٨/ ١٩٩).
(٣) البخاري (٥٩٢٠). والقَزَع: هو حَلْق بعض الرأس وتَرْك البعض؛ تشبيهًا بقزع السحاب. وكذا مَنْ حَلَق ثلاث شعرات لا يطلق عليه حالق، ومَن رآه لا يَدري أنه حَلَق شعر رأسه أم لا.

<<  <   >  >>