للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعتُرض عليه من ثلاثة أوجه:

الأول: أن هذا القياس مع الفارق؛ لأن العمرة تُشْرَع طَوَال العام، بخلاف الحج، فلا يكون إلا مرة في العام، إذا فات الوقوف بعرفة فات الحج.

الثاني: أن عائشة اعتمرت لحجها قارنة، فعمرتها في ذي الحجة، ثم اعتمرت لما سألته العمرة في ذي الحجة، فكانت هذه عمرتين في شهر؛ فكيف يُنْكَر ذلك مع أمره به؟!

الثالث: استُنبط من عموم قول النبي : «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا … » وَهَذَا مَعَ إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ؛ إِذْ لَوْ كَانَتِ الْعُمْرَةُ لَا تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، لَكَانَتْ كَالْحَجِّ، فَكَانَ يُقَالُ: الْحَجُّ إِلَى الْحَجِّ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «فِي كُلِّ سَنَةٍ عُمْرَةٌ» (١).

القول الثاني: أن العمرة مُقيَّدة بسفرة، بأن تكون في سفرة مفردة، وكرهوا تَكرارها في سفرة واحدة. وهو اختيار ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ومحب الدين الطبري (٢).

واستدلوا بالسُّنة والمأثور والمعقول:

أما السُّنة، فَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ قَدِ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ فِي أَرْبَعِ سَفَرَاتٍ، لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ.

وأما المأثور، فَقَالَ طَاوُسٌ: الَّذِينَ يَعْتَمِرُونَ مِنَ التَّنْعِيمِ، مَا أَدْرِي يُؤْجَرُونَ عَلَيْهَا أَوْ يُعَذَّبُونَ؟ قِيلَ لَهُ: فَلِمَ يُعَذَّبُونَ؟! قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَيَخْرُجُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَيَجِيءُ، وَإِلَى أَنْ يَجِيءَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ قَدْ طَافَ مِائَتَيْ طَوَافٍ، وَكَلَّمَا طَافَ بِالْبَيْتِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ.

واعتُرض عليه بأن هذا قول تابعي لا حجة فيه، وقد خالفه غيره، وقد سبق.

وأما المعقول فاستدلوا بأنه إذا كان المقصود الأعظم من العمرة هو الطواف بالبيت،


(١) «مصنف ابن أبي شيبة» (٣/ ١٢٩).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٠٣)، و «زاد المعاد» (٢/ ١٦٤).
وأَغْرَبَ ابن تيمية فقال: فَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٢٦٤).
وتابع شيخه ابن مفلح فقال: ويُكْرَه الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف. كما في «الفروع» (٦/ ٧١)، والخلاف ثابت. وقد قال ابن عبد البر: وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

<<  <   >  >>