للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخَر: أن العمرة مُقيَّدة، واختلفوا في التقييد على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن العمرة مُقيَّدة بسَنة، فيُكْرَه تَكرارها أكثر من مرة في السَّنة. وهذا مذهب مالك، والمُزَني من الشافعية (١).

واستدلوا بالسُّنة والمأثور والقياس:

أما السُّنة، فَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَعْتَمِرْ عُمْرَتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَاعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ أَوْ أَرْبَعًا، كُلُّ عُمْرَةٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ، فَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فَعَلَهُ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يَنْحَصِرُ فِي أَفْعَالِهِ ، فَقَدْ كَانَ يَتْرُكُ الشَّيْءَ وَهُوَ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ. وَقَدْ نَدَبَ إِلَى الْعُمْرَةِ بِلَفْظِهِ، فَثَبَتَ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ (٢).

وأما المأثور، فَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي آخِرِ أَمْرِهَا إِذَا حَجَّتْ، بَقِيَتْ بِمَكَّةَ حَتَّى يُهِلَّ الْمُحْرِمُ، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَتُهِلُّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَكَانَ يَقَعُ حَجُّهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَعُمْرَتُهَا فِي عَامٍ آخَرَ (٣).

ونوقش بأن هذا خلاف المروي من فعل رسول الله معها؛ إذ لم يؤخرها حتى إهلال المُحْرِم، بل أَمَر أخاها عبد الرحمن أن يُعْمِرها من التنعيم فور الانتهاء من حجها.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَعَائِشَةُ كَانَتْ قَارِنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ اعْتَمَرَتْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ بِإِعْمَارِهَا بَعْدَ الْحَجِّ، فَكَانَتْ لَهَا عُمْرَتَانِ فِي شَهْرٍ (٤).

وأما القياس، فقاسوا العمرة على الحج لاقترانهما في الأمر بقوله: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ ولأنهما كليهما عبادة تحتاج إلى طواف وسعي. ولأن النبي سَمَّى العمرة: (الحج الأصغر) وسَمَّى الله الحج ب (الحج الأكبر) بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: ٣] وإذا كان الحج الأكبر لا يُشْرَع في العام إلا مرة واحدة، فكذا العمرة.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٣٢٦)، و «الشرح الصغير» (٢/ ٧٣)، و «الحاوي» (٤/ ٢٣١).
قال ابن تيمية: فَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ،، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٢٦٧).
(٢) «فتح الباري» (٣/ ٥٩٨)، و «نَيْل الأوطار» (٤/ ٣٣٦).
(٣) «التمهيد» (٢٠/ ١٩).
(٤) «الأم» للشافعي (٣/ ٣٣٢).

<<  <   >  >>