للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية: وَلَمَّا كَانَتِ الْكَعْبَةُ بَيْتَ اللَّهِ، الَّذِي يُدْعَى وَيُذْكَرُ عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُسْتَجَارُ بِهِ هُنَاكَ، وَقَدْ يُسْتَمْسَكُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، كَمَا يَتَعَلَّقُ بِأَذْيَالِ مَنْ يَسْتَجِيرُ بِهِ (١).

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كان إذا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ، يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، وَيَصُبُّ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، فَيَضَعُ صَدْرَهُ وَجَبْهَتَهُ عَلَيْهِ، وَيَتَشَبَّثُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيَدْعُو (٢).

والحاصل: عدم مشروعية التعلق بأستار الكعبة؛ لأنه لم يَرِد ذلك عن رسول الله ولا عن أصحابه. ويجب على طلبة العلم تعليم الناس ترك الأفعال التي لم يَثبت بها سُنة؛ ولِما فيها من إيذاء الطائفين ومُضايقتهم دون وجه حق، والله أعلم.

المطلب الثالث: استلام الركنين الشاميين.

نُقِل الإجماع على عدم استلام الركنين الشاميين (٣).

وهذا الإجماع منخرم؛ فقد ورد خلاف، فالصحيح أن هذا قول جماهير العلماء (٤).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ، إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» (٥).

القول الآخَر: أنه يُشْرَع استلام الركنين الشاميين (٦).

رَوَى البخاري: عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ البَيْتِ؟» وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ. فَقَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا» وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ (٧).


(١) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٢٢٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٠).
(٣) «المجموع» (٨/ ٥٨).
(٤) وقد نَقَل الترمذي: عن أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، أَنْ لَا يَسْتَلِمَ إِلاَّ الحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ «السُنن» (٢/ ٢٠٢).
(٥) رواه البخاري (١٦٠٩)، ومسلم (١٢٦٧).
(٦) وممن كان يقول باستلامهما: الحَسَن والحسين، وابن الزبير، وجابر، وأنس. «المجموع» (٨/ ٥٨).
(٧) أخرجه «البخاري» (١٦٠٨).

<<  <   >  >>