للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: أن الرَّمَل واجب، ومَن تَرَكه فلا دم عليه. وبه قال المالكية وابن حزم (١).

فَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ! فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ (٢).

وَجْه الدلالة: (فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ) والأمر يقتضي الوجوب.

القول الثالث: أن الرَّمَل واجب، ومَن تَرَكه فعليه دم. وهو قول عند المالكية (٣).

القول الرابع: أن الرَّمَل ليس سُنة، ومَن شاء فَعَله، ومَن شاء لم يفعله. رُوِي ذلك عن عطاء، وطاوس، ومُجاهِد، والحَسَن، وسالم، والقاسم (٤).

واستدلوا بما رَوَى مسلم: عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ! قَالَ: فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنَ الْهُزَالِ. وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمْشُوا أَرْبَعًا (٥).

قول ابن عباس: (صَدَقُوا وَكَذَبُوا) يَعْنِي صَدَقُوا فِي أَنَّ النَّبِيَّ فَعَلَهُ، وَكَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ. وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ لِإِظْهَارِ الْقُوَّةِ عِنْدَ الْكُفَّارِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ المَعْنَى.

ونوقش من وجهين:

الأول: أن النبي أَمَر أصحابه بالرَّمَل في عمرة القضاء؛ لإظهار القوة. أما في حَجة الوداعِ فقد فَعَله، وقد زال هذا المعنى؛ لأنها سُنة مقصودة.

الثاني: أن الحكمة في أصل مشروعية الرَّمَل إظهار الجلادة والقوة للمشركين، وبالنسبة إلينا إظهار التأسي. وقد دل على ذلك قول عمر: «فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ؟! إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ» ثُمَّ قَالَ: «شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ ، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ».


(١) «المُدوَّنة» (١/ ٦٧٠)، و «مواهب الجليل» (٣/ ١٢)، و «المُحَلَّى» (٧/ ١٠٨، ١٠٩).
(٢) رواه البخاري (١٦٠٢)، ومسلم (١٢٦٦).
(٣) «المُدَوَّنة» (١/ ٧٩٢)، و «مواهب الجليل» (٣/ ١٢).
(٤) «الاستذكار» (٤/ ١٩٢).
(٥) رواه مسلم (١٢٦٤).

<<  <   >  >>