للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: قال ابن عبد البر: وَإِنَّمَا جُعِلَ الْقِرَانُ مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ مُتَمَتِّعٌ بِتَرْكِ النَّصَبِ فِي السَّفَرِ إِلَى الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَإِلَى الْحَجِّ أُخْرَى، وَتَمَتَّعَ بِجَمْعِهِمَا فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، لَمْ يُحْرِمْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ مِيقَاتِهِ (١).

الثاني: أن القارن يتمتع بالجَمْع بين النُّسكين في نُسك واحد؛ لأن الحج والعمرة كلاهما يَحتاج إلى طواف وسَعْي وحَلْق. فالقارن يكفيه طواف واحد وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد وحَلْق واحد، كالمُفرِد.

القول الرابع: أن النبي أَحْرَم إحرامًا مطلقًا، ثم عَيَّنه بالإفراد (٢).

واستدل بقول عائشة: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ نُلَبِّي، لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً (٣).

والراجح: هو القول الأول، أي أن النبي حج قارنًا.

قال الطبري: إن جملة الحال أنه لم يكن متمتعًا؛ لأنه قال: «لو استقبلتُ من أمري ما


(١) «التمهيد» (٨/ ٣٥٤).
(٢) وهو قول للشافعي «الأم» (٣/ ٣١٥).
(٣) شاذ بهذا اللفظ، ومدار الحديث على إبراهيم، عن الأَسود، عن عائشة، فرواه الأعمش واختُلف عليه:
فرواه عليّ بن مُسْهِر، عن الأعمش، به. أخرجه مسلم (١٢١١) وفيه: «لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً».
وخالفه شُعبة عند النَّسَائي (٢٧١٨) وقال البخاري: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ، كلاهما عن الأعمش، به، بلفظ: «لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ» أخرجه البخاري (١٧٧٢).
وأخرجه البيهقي (٨٨٩٢) من طريق مُحاضِر، وفيه: «لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً».
وتابع الأعمشَ منصور، فرواه عن إبراهيم بلفظ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ، وَلَا نُرَى إِلَّا أَنَّهُ الحَجُّ» أخرجه البخاري (١٥٦١)، ومسلم (١٥٦١) واللفظ له.
وورواه القاسِم، عند البخاري (٣٠٥)، ومسلم (١٢١١) وعمرة عند البخاري (١٧٢٠)، ومسلم (١٢١١) كلاهما عن عائشة، وفيه: «لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ».
فالأقرب: أن رواية: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ نُلَبِّي، لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً» شاذة، وهي من غرائب عليّ بن مُسْهِر! وقد قال فيه ابن رجب: له مفاريد، وذَكَر الأثرم عن أحمد أنه أَنْكَر حديثًا، فقيل له: رواه علي بن مُسْهِر! فقال: إن علي بن مُسْهِر كانت كتبه قد ذهبت، فكَتَب بعد، فإن كان رَوَى هذا غيره، وإلا فليس بشيء يُعتمد. «شرح علل الترمذي» (٢/ ٧٥٥). واللفظ الصحيح: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ فِي تَلْبِيَتِهِ حَجًّا قَطُّ وَلَا عُمْرَةً. أخرجه الشافعي في «الأم» (٣/ ٣٨٩)، وفي إسناده: إبراهيم بن أبي يحيى، شيخ الشافعي، وهو متروك.

<<  <   >  >>