للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بدليلين من السُّنة:

الدليل الأول: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ … وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ».

دل الحديث على وجوب إحرام مَنْ مَرَّ بهذه المواقيت.

وعدم جواز تأخير الإحرام إلى جدة من أربعة أوجه:

الأول: قوله: «وَقَّتَ» معناه أنه لا يَجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية أو حاذى واحدًا منها، جوًّا كان أو برًّا أو بحرًا- أن يتجاوزها من غير إحرام.

الثاني: في قوله: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» أن مَنْ كان دون المواقيت لا يَجوز أن يجاوز مكانه دون إحرام، فكيف بمن هو قبل المواقيت؟!

الثالث: أن هذه المواقيت محيطة بالحَرَم من جميع الجهات، فدل على أن ذلك يشمل كل مَنْ مر عليها أو حاذاها بَرًّا أو بحرًا أو جوًّا. ولو كان هناك ميقات آخَر لبَيَّنه النبي ؛ إذ لم يَمُتْ حتى اكتمل الدين وتَمَّتِ النعمة.

الرابع: أن اللغة والعُرْف يُقِران أن مَنْ مَر بطائرة أو سفينة فهو قد مر بالميقات؛ لأنه لا يخلو أن يُسامته ويحاذيه من الأعلى أو يمر فوقه، ومن المعلوم أن الهواء تابع للقرار.

الدليل الثاني: ما رواه ابن عُمَر قال: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ المِصْرَانِ، أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا. قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ. فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ.

وَجْه الدلالة: «فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ» فهذا يدل على أن المار بالطائرة والسفينة يُحْرِم إذا حاذى الميقات، وجدة ليست ميقاتًا، وليست محاذية لأحد المواقيت (١).

القول الثاني: تُعَد جدة ميقاتًا مكانيًّا لمن وصل إليها بطريق الجو أو البحر، من طريق اليمن خاصة، كأهل الهند وباكستان، فيَجوز لهم تأخير الإحرام حتى يصلوا إليها. وبه قال


(١) ولذا قَرَّر المَجْمَع الفقهي الإسلامي بمكة (ص: ١٨) أن المواقيت التي وَقَّتها النبي وأوجب الإحرام منها على أهلها، وعلى مَنْ مر بها من غيرهم، ممن يريد الحج والعمرة- ليس للحُجاج والعُمار الوافدين من طريق الجو والبحر ولا غيرهم أن يُؤخِّروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة؛ لأن جدة ليست من المواقيت التي وَقَّتها رسول الله .

<<  <   >  >>