للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، إِنَّمَا الْمُتَمَتِّعُ مَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ» (١).

وأما المعقول، فاستدلوا بأمرين:

الأول: ما قاله ابن المنذر: إذا رجع إلى بلده أو إلى مثله في البُعد، فليس بمتمتع إن حج من عامه. خلافًا لما يُحكى عن الحسن. ولأن ما قلنا مروي عن ابن عمر، ولا مُخالِف له. ولأن المتمتع مَنْ تَمتَّع بإسقاط أحد السفرين وجَمَع بين الحج والعمرة في سفر واحد، وهذا لم يَفعل ذلك، بل أتى بالسفرين على ما كان عليه في الأصل (٢).

الثاني: ما قاله ابن قُدامة: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ لَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ إذْ قَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَلِأَنَّ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِيقَاتُهُ مَكَّةُ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّرَفُّهُ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُفْرِدَ (٣).

القول الثاني: إن سافر وتجاوز الميقات بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج، قبل الإحرام بالحج، انقطع التمتع، وهذا قول عند الشافعية، ورواية للحنابلة (٤).

القول الثالث: إن سافر بين العمرة والحج سفرًا بعيدًا تُقْصَر في مثله الصلاة، انقطع التمتع. وهذا قول عند الحنابلة في الراجح عنهم (٥).

القول الرابع: إن اعتَمَر في أَشْهُر الحج، ثم رَجَع إلى بلده ومنزله، ثم حج مِنْ عامه ذلك، قال الحسن البصري: فإنه مُتَمَتِّع.

والحاصل: أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بَعْد العُمرة، وقَبْل الإحرام بالحج- مُسْقِط لدم التمتعِ. إلا أنهم مختلفون في قَدْر المسافة: فمنهم مَنْ يقول: لا بد أن يَرجع بعد العمرة في أشهر الحج إلى المَحَل الذي جاء منه، ثم يُنشِئ سفرًا لِلحج ويُحْرِم


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٠٠٨): ثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، بِهِ.
(٢) «الإشراف» (١/ ٤٦٦).
(٣) «المغني» (٥/ ٣٥٥).
(٤) «المجموع» (٧/ ١٧٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٣١٣).
(٥) «المغني» (٥/ ٣٥٥). قال عبد الله: سأَلتُ أبي، قلت: إذا اعتَمَر في أشهر الحج، ثم رَجَع إلى أهله، ثم حج؟ قال: إذا سافر سفرًا يَقصر فيه الصلاة، فليس بمتمتع. «مسائل أحمد» (ص: ٢١٩).

<<  <   >  >>