للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً» (١).

قال النووي: فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ بِتَرَجُّحِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ (٢).

القول الآخَر: أن النبي كان إحرامه في دُبُر صلاته، وأنه أَهَلَّ في مجلسه بعد فراغه من الركعتين، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في القديم، وهو رواية عن الحنابلة (٣).

واستدلوا بما رواه ابن عباس، أن النبي أَهَلَّ في دُبُر الصلاة (٤).

واستدلوا بعموم قول النبي : «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي ﷿ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ».

وَجْه الدلالة: أنه لم يَجعل بين الصلاة والإحرام فَصْلًا، فدل ذلك على أن النبي كان إحرامه في دُبُر صلاته.

ونوقش بأن معنى (وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ): بعد الانتهاء من الصلاة وركوب الراحلة يُحْرِم في بداية سيره. ودل على ذلك أن جماعة الصحابة حَكَوْا ذلك عن رسول الله (٥).


= جُريج عن ابن المُنكدِرِ. والصحيح رواية الثوري وابن عُيينة، ومَن تابعهما. «العلل» (٦/ ٢١٢).
وفي «علل ابن أبي حاتم»: سألتُ أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس، عن ابن جُريج، عن الزُّهْري، عن أنس … فسمعتُ أبي يقول: لا أعلم روى هذا الحديث غير عيسى بن يونس، وشُعيب بن إسحاق، ولا أدري ابن جُريج مِنْ أين جاء به؟ والناس يروونه عن إبراهيم بن ميسرة عن أنس.
والحاصل: أن هذا الحديث لا يَثبت عن الزُّهْري عن أنس، وإنما هو من حديث إبراهيم بن ميسرة، ومحمد بن المنكدر، وأبي قِلابة، عن أنس.
والراجح من الألفاظ عن أنس: (صَلَّى النَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ).
(١) أخرجه البخاري (١٥١٤)، ومسلم (١١٨٧).
(٢) «المجموع» (٧/ ٢١٧)، و «شرح مسلم» (٨/ ٩٤).
(٣) «الحاوي» (١/ ٣٩٢، ٤٩٣)، و «المجموع» (٧/ ٢٢٣).
(٤) ضعيف، رواه عبد السلام بن حرب عند الترمذي (٨١٩)، وابن إسحاق عند أحمد (١٧٦٤)، كلاهما عن خُصَيْف، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، به. ومدار الحديث على خُصَيْف بن عبد الرحمن الجَزَري، وهو مُختلَف في حاله، وهو إلى الضعف أقرب، ولا يَتحمل مثل هذا المتن.
وله شاهد عند الدارمي (١٨٣٣): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ أَحْرَمَ وَأَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ. وهذا المتن منكر؛ لأن المحفوظ عن أنس: أن الرسول صَعِد جبل البَيْدَاء، وأَهَلَّ بالحج والعُمْرة.
(٥) قال ابن كَثير: فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْقَطْعِ أَوِ الظَّنِّ الْغَالِبِ، أَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَبَعْدَمَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَابْتَدَأَتْ بِهِ السَّيْرَ. «البداية والنهاية» (٧/ ٤٣٩).

<<  <   >  >>