للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المأثور، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ» (١).

وأما المعقول، فقد يَصعب على أكثر الناس أن ينام ولا يغطي وجهه للبرد أو الذباب، والله يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].

القول الآخَر: يَحرم على المُحْرِم تغطية وجهه، وإذا غطاه وجبت عليه الفدية. وبه قال الحنفية والمالكية، وهو رواية عند الحنابلة (٢).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فروى ابن عباس قال: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ رَجُلٌ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «اغْسِلُوهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، وَلَا تُغَطُّوا وَجْهَهُ» (٣).


(١) إسناده صحيح: رواه مالك (١٠١٦). وَعَنِ القَاسِمِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدًا، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ- كَانُوا يُخَمِّرُونُ وُجُوهَهُمْ، وَهُمْ حُرُمٌ. وهو منقطع، رواه الشافعي في «الأم» (٧/ ٢٤١)، قال النووي: الْقَاسِمُ لَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَأَدْرَكَ مَرْوَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِمْكَانِ إِدْرَاكِهِ زَيْدًا. «المجموع» (٧/ ٢٦٨).
ورواه ابن أبي شيبة (١٤٤٥٤) فأَدْخَل بين القاسم وعثمان محمدَ بن الفُرافِصَة، وهو ثقة.
(٢) «المبسوط» (٢/ ١٢٧)، و «المدونة» (١/ ٢٩٦)، و «المغني» (٥/ ١٥٣)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٦٣).
(٣) مدار هذا الحديث على سعيد بن جُبَيْر عن ابن عباس. ويرويه عن سعيد بن جُبَيْر جماعة:
الطريق الأول: طريق عمرو بن دينار، واختُلف عنه: فرواه سفيان الثوري، عن عمرو، به: «ولا تُخَمِّروا رأسه ولا وجهه» أخرجه مسلم (١٢٠٦).
وتابعه عمر بن عامر، عند أبي عَوَانة (٣١١٢)، وابن أبي ليلى، عند الطبراني في «الأوسط» (٤٢٧٧) وعبد الله بن علي الأزرق، عند الطبراني في «الكبير» (١٢/ ٧٦) ونَصْر بن طَرِيف عند الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (١٤٨). جميعًا عن عمرو بن دينار، وفي حديثهم: «ولا تغطوا وجهه» وهؤلاء الأربعة الذين تابعوا الثوري ضعفاء.
وخالف الثوريَّ جماعة من الثقات الأثبات فرووه بدون ذكر لفظة: «وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ» منهم: حماد بن زيد، عند البخاري (١٢٦٨، ١٨٤٩)، ومسلم (١٢٠٦)، وابن عُيينة وابن جُريج، كلاهما عند مسلم (١٢٠٦)، وعمرو بن الحارث، عند ابن حِبان (٣٩٥٨)، ويونس بن نافع، عند النَّسَائي (١٩٠٤)، وقيس بن سعد، عند الدارقطني (٢٧٧٠)، وسُليم بن حَيَّان، عند الطبراني في «الصغير» (١٠٠٤)، وغيرهم، جميعًا عن عمرو بن دينار، ولم يَذكروا الوجه في حديثهم.
ورواية الثوري بذكر الوجه شاذة لأمرين:
الأول: أن ابن عُيينة وابن جُريج وحماد بن زيد أثبتُ في عمرو بن دينار، وأعلم الناس بحديثه من الثوري. قاله ابن المديني وابن مَعين وأبو حاتم والدارقطني. «شرح علل الترمذي» (٢/ ٦٨٤). =

<<  <   >  >>