للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا لوجوب البدنة على المرأة إذا كانت مُطاوِعة، بالمأثور والمعقول:

أما المأثور، فَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا حَجُّكُمَا هَذَا، فَقَدْ بَطَلَ فَحُجَّا عَامًا قَابِلًا، ثُمَّ أَهِلًّا مِنْ حَيْثُ أَهْلَلْتُمَا، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُمَا حَيْثُ وَقَعْتَ عَلَيْهَا، فَفَارِقْهَا فَلَا تَرَاكَ وَلَا تَرَاهَا حَتَّى تَرْمِيَا الجَمْرَةَ، وَأَهْدِ نَاقَةً وَلْتُهْدِي نَاقَةً.

وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ الْمُحْرِمِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَقَالَ: «يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَجِّهِمَا، ثُمَّ يَرْجِعَانِ حَلَالًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَجَّا وَأَهْدَيَا، وَتَفَرَّقَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ» (١).

وَجْه الدلالة: أنه أَمَر الرجل والمرأة أن يُهديا جميعًا، فقال: «وأَهْدِيَا».

وأما المعقول، فَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْمُتَجَامِعَيْنِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ، فَلَزِمَتْهَا بَدَنَةٌ كَالرَّجُلِ.

واستدلوا بسقوط الهَدْي عنها إذا كانت مُكْرَهة، بقوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ﴾ [النحل: ١٠٦].

وَجْه الدلالة: أن الكفر إذا كان يَسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أَوْلَى.

القول الآخَر: تجزئ عنهما معًا بدنة واحدة. وهو قول للشافعية (٢).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس قال: يُجْزِئُ عَنْهُمَا جَزُورٌ (٣).

وَعَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ (٤).

ونوقش بأنه قد ورد خلاف عن ابن عباس: «وأَهْدِ ناقة، ولتُهْدِي ناقة» وعنه أيضًا: «إذا جامع، فعلى كل واحد منهما بدنة».


(١) ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٥٤٦)، وهذا منقطع فإن مجاهدًا لم يدرك عمر. وتَابَع مجاهدًا عطاء عند البيهقي (٩٨٩٧) وهذا منقطع فإن عطاء لم يدرك عمر. «البدر المنير» (٦/ ٣٨٥).
(٢) «الأُم» (٢/ ٢٣٩)، و «الحاوي» (٤/ ٢١٧).
(٣) «السُّنن الكبرى» للبيهقي (٩٨٧٣) من طريق سفيان، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وروى مالك في «الموطأ» (١١٣٦) بسند صحيح: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً.
(٤) «السُّنن الكبرى» للبيهقي (٩٨٨٧).

<<  <   >  >>