للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المائدة: ٩٥] ..

القول الثاني: أن المُحْرِم إذا قَتَل صيدًا، ثم كَرَّر قتل الصيد، فلا جزاء عليه إلا في أول مرة. وهذا مروي عن ابن عباس، وهو رواية عند الحنابلة، وقول داود الظاهري (١).

القول الثالث: إِنْ كَفَّر قبل الصيد الثاني، فعليه الجزاء للثاني. وإن لم يُكفِّر، كَفَاه جزاء واحد عن الأول والثاني. وهذا قول للحنابلة (٢).

فالحاصل: أن تَكرار المحظور له ثلاث أحوال:

الحال الأولى: إذا كَرَّر محظورًا من جنس واحد، كلُبْس قميص ولُبْس سراويل، وإن كان في مجالس مختلفة، فعليه لجميع ذلك فدية واحدة؛ لأن الله أوجب في حلق الرأس فدية واحدة؛ لأنه إذا حَلَق رأسه لا يمكن إلا شيئًا بعد شيء. وقياسًا على ما إذا تعددت أحداث من جنس واحد، فيكفيه وضوء واحد. إلا إذا كَفَّر بعد فعل الأول قبل الثاني، فعليه فدية أخرى؛ لأن الأول استقر حكمه بالتكفير.

الحال الثانية: وأما إذا كَرَّر محظورًا من أجناس مختلفة، كطِيب ولُبْس مَخيط، فعليه لكل جنسٍ فدية؛ لأن المقصود جبر النسك، وذلك لا يَحصل إلا بالتعدد.

الحال الثالثة: أن يكون المحظور صيدًا، فإن الفدية تتعدد بتعدد الصيد، فعليه لكل مرةٍ فدية؛ لأنه كيف تنتفي الكفارة عن المُحْرِم العائد لقتل الصيد في الدنيا؟! ولأن الله تَوَعَّد أن ينتقم من العائد لقتل الصيد وهو مُحْرِم، بقوله: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾.

* * *


(١) ورُوي هذا القول عن مجاهد وإبراهيم وابن جُبير وقتادة، كما في «المُصنَّف» عند عبد الرزاق (٨١٨٤)، و «الفروع» (٥/ ٥٣٧)، وقال الماوردي: وَقَالَ دَاوُدُ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَلَوْ عَادَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالْمَرَّةِ الْأَوْلَى. وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. «الحاوي» (٤/ ٧٢٧).
(٢) «الفروع» (٥/ ٥٣٧).

<<  <   >  >>