للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقوله تعالى: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا﴾ [التوبة: ٢٨] لأنه يَجوز تمكين المشرك من الوقوف على حدود الحرم. ولو كان المراد جميع الحرم لقال: فلا يَدخلوا.

أما دليلهم من السُّنة، فعن المِسْوَر بن مَخْرَمَة، ومَرْوان بن الحَكَم، في قصة صُلح الحُديبية: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِلِّ (٢).

وَجْه الدلالة: أن النبي كان يصلي في الحرم، أي: داخل حدود الحرم، وليس المسجد الحرام. فهذا يدل على أن مضاعفة الصلاة عامة في جميع الحرم، ولا يُخص منها المسجد الذي هو مكان الطواف.

ونوقش بأنه لا دلالة فيه على أن مضاعفة الصلاة عامة في جميع الحرم، بل غاية ما فيه أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحِل، وهذا لا شك فيه، وهو خارج محل النزاع.

واستدلوا بأن النبي قَدِم مكة لأربع من ذي الحجة، ثم طاف وسعى، وأقام في الحَجُون الأبطح أربعة أيام قبل خروجه إلى مِنًى، ولم يكن يَنزل إلى مسجد الكعبة ليصلي فيه، مع قربه وسهولته. فهذا دليل على أن مضاعفة الصلاة عامة في جميع الحرم (٣).

ونوقش بأنها قضية عين، تحتمل أن النبي تَرَك ذلك خَشية أن يَظن أحد أن له الذَّهاب إلى مسجد الكعبة والطواف والصلاة إليه واجب، وأنه من مناسك الحج (٤).

فالحاصل: أن سبب اختلاف العلماء في هذه المسألة هو لفظة (المسجد الحرام) في الآيات والأحاديث، هل يراد بها جميع الحرم أو يراد بها الكعبة؟

والتحرير هو أن لفظة (المسجد الحرام) من الألفاظ المشتركة، فقد يراد به جميع الحرم، وقد يراد به مسجد الكعبة. والذي يُحدِّد المراد هو السياق وقرائن الأحوال والنصوص الأخرى، ومن الخطأ طرد معنى واحد في جميع النصوص.


(٢) إسناده حسن: أخرجه أحمد (١٨٩١٠). وفي إسناده محمد بن إسحاق، وقد صَرَّح بالتحديث في بعض فقرات هذا الحديث، فانتفت شبهة تدليسه. ثم إنه قد توبع، تابعه مَعْمَر. (١٨٩٢٨، ١٨٩٢٩).
(٣) قال ابن القيم: لَا يُحْفَظُ عَنْهُ فِي حَجِّهِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَرْضَ بِجَوْفِ مَكَّةَ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي بِمَنْزِلِهِ بِالْأَبْطَحِ، بِالْمُسْلِمِينَ مُدَّةَ مُقَامِهِ. «زاد المعاد» (٢/ ٢٦٠).
(٤) «فتح الباري» (٣/ ٤٨٦).

<<  <   >  >>