للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بالسُّنة: فَعَنْ يَعْلَى، عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ طَافَ مُضْطَبِعًا (١).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى (٢).

وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: «فِيمَ الرَّمَلَانُ الْيَوْمَ وَالْكَشْفُ عَنِ المَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ؟! مَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ » (٣).

القول الآخَر: أن الاضطباع مكروه. وبه قال الإمام مالك (٤).

واستَدل الإمام مالك بأن العلة التي استُحب الاضطباع من أجلها- قد زالت؛ فالاضطباع شُرِع لإظهار الجَلَادة والقوة للمشركين، وقد خلت مكة من الكفار.


(١) إسناده صحيح، ومداره على سفيان عن ابن جُرَيْج، واختُلف عنه:
فرواه محمد بن يوسف، عند الدارمي (١٩٧٤)، وقَبيصَة عند الترمذي (٨٥٩) كلاهما قالا: حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عبد الحميد بن جُبَيْر- وهو ثقة- عن ابن يَعْلَى، عن أبيه، به.
ورواه محمد بن كَثِير عند أبي داود (١٨٨٣) ووَكيع عند أحمد (١٧٩٦٩) كلاهما عن الثوري به، بإسقاط عبد الحميد بين ابن جُرَيْر وابن يَعْلَى.
هذا الطريق رجاله ثقات، ولكنه منقطع؛ لأن ابن جُريج لم يَسمع من يعلى، وقد ذُكِرَتِ الواسطة عند الترمذي. وكذا رَجَّح البخاري بذكر الواسطة وهو عبد الحميد، كما في «العلل الكبير» للترمذي (٢٢٦) وتَفَرَّد بها محمد بن كَثِير عند أبي داود (١٨٨٣) (ببُرد أخضر) وهي شاذة لمخالفته الثقات بدونها.
(٢) ومداره على عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، واختُلف في التابعي، هل هو سعيد بن جُبَيْر أم أَبو الطُّفَيْل؟
فرواه حماد بن سلمة، عن ابن خُثَيْم، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، به عند أبي داود (١٨٨٤).
وخالفه يحيى بن سُلَيْم، عند أبي داود (١٨٨٩) وإسماعيل بن زكريا عند أحمد (٢٧٨٢) مطولًا، كلاهما عن ابن خُثَيْم، عن أبي الطُّفَيْل، به.
فالصواب أن ابن خُثَيْم سَمِعه من أبي الطُّفَيْل؛ لأن حماد بن سلمة كان يخطئ في غير حديث ثابت.
ويحيى بن سُلَيْم وإن كان فيه ضعف، إلا أنه كانت عنده أحاديث ابن خُثيم في كتاب، وكان متقنًا لها، وقد تابعه إسماعيل بن زكريا الْخُلْقَاني وهو صدوق.
ولكن هل ابن خُثيم يتحمل مثل هذا المتن؟ أخشى أن يكون هذا الحديث رجع إلى حديث ابن عباس الذي في «الصحيحين» في الرَّمَل دون الاضطباع. والله أعلم.
(٣) أصل هذا الحديث في البخاري (١٦٠٥) من طريق محمد بن جعفر، عن زيد، به، بدون هذه اللفظة.
ورواه هشام بن سعد، عن زيد، به. فزاد لفظة: (وَالْكَشْفُ عَنِ المَنَاكِبِ). وأخرجه أحمد (٣١٧).
و (هشام بن سعد) قال الحافظ: صدوق له أوهام. وقال أبو حاتم: لا يُحتجّ به. وقال أحمد: لم يكن بالحافظ، فهل يَتحمل مثل هذه اللفظة؟
(٤) قال ابن حجر: وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سِوَى مَالِكٍ. «فتح الباري» (٣/ ٤٧٢).

<<  <   >  >>