للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحال الآخَر: حُكْم استلام الحجر وتقبيله في شدة الزحام.

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه لا يُشْرَع استلام الحجر وتقبيله في شدة الزحام (١).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فعموم قول النبي لعمر: «يَا أَبَا حَفْصٍ، أَنْتَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، وَإِنَّكَ تُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، فَإِذَا رَأَيْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَكَبِّرْ وَامْضِ» (٢).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُزَاحِمَ عَلَى الْحَجَرِ، تُؤْذِي مُسْلِمًا أَوْ يُؤْذِيكَ (٣).

وأما المعقول، فهو أن الاستلام سُنة، وإيذاء الناس بالزحام مُحَرَّم، واجتناب المُحَرَّم أَوْلَى من الإتيان بالسُّنة.

القول الآخَر: ما قاله الماوردي: وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّ الزِّحَامَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ (٤).

واستدلوا بأن ابْنَ عُمَرَ زَاحَمَ عَلَى الْحَجَرِ حَتَّى دَمَّى مَنْخِرُهُ (٥).

ونوقش بأنه ورد أن ابن عمر ندم على هذا الفعل فلا يُستدل به، فَعَنْ سَالِمٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَتْرُكُ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ فِي الزِّحَامِ وَلَا غَيْرِهِ، حَتَّى رَأَيْتُهُ زَاحَمَنَا عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَصَابَهُ


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٤٦)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٤١)، و «الحاوي» (٤/ ١٣٦)، و «الفروع» (٦/ ٣٤).
(٢) ضعيف: أخرجه أحمد (١٩٠) عن سفيان الثوري، عن أبي يَعْفُور العَبْدي، قال: سَمِعْتُ شَيْخًا بِمَكَّةَ، به.
وقد جاء التصريح بأن الرجل المبهم هو (عبد الرحمن بن نافع) عند الشافعي في «السُّنن المأثورة» (٥١٠). وهو على كل حال مرسل.
وقد أخرجه البيهقي (٩٣٣٤). وفي إسناده مُفَضَّل بن صالحٍ. وقد ذَكَر ابن عَدي هذا الحديث من منكراته. وابن المسيب لم يَسمع من عمر، كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: ٧١).
(٣) صحيح: رواه ابن جُرَيجٍ عند عبد الرزاق (٩٠٨٦) وحَجَّاج بن أرطأة عند ابن أبي شيبة (١٣٣٢٨) واللفظ له. وقيس بن سعد (٩٣٣٨) ثلاثتهم عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، به.
(٤) «الحاوي الكبير» (٤/ ١٣٦).
(٥) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (١٣١٦٠) عن طلحة بن يحيى وهو صدوق، عن القاسم، به.

<<  <   >  >>