للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخَر: أن ركعتي الطواف واجبة. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وقول للشافعية، ورواية عند أحمد (١).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما دليلهم من الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥] فالله أَمَر بالصلاة عند مَقام إبراهيم بعد الفراغ من الطواف، والأمر للوجوب.

ويُفسِّر الآية ما ورد عن جابر في صفة حج النبي : حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَرَأَ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ- وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ : كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٢٨)، و «المجموع» (٨/ ٧١)، و «الإنصاف» (٤/ ٨).
(٢) مدار هذا الحديث على جعفر بن محمد عن أبيه، واختُلف عليه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الإرسال، رواه مسلم (١٢١٨) باللفظ المذكور.
وهذا الطريق فيه علتان:
الأولى: الإرسال؛ فقول جعفر بن محمد: (فَكَانَ أَبِي يَقُولُ) وهو محمد بن علي بن الحسين، وهو تابعي قال: (وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ وهذا مرسل بإسقاط جابر.
الثانية: قوله: (وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ فهذا الشك والتردد يوهن هذه الرواية.
الوجه الثاني: قد رُوي موصولًا: من طريق عبد العزيز، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بِسُورَتَيِ الإِخْلَاصِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ)، وَ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).
وعبد العزيز بن عمران متروك، وقد سُئل أبو حاتم في «العلل» (٤٧٠) عن هذا الحديث، فقال: مُنْكَر.
وتابعه سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، به. أخرجه أبو عَوَانة (٣٤١٦) من طريق القَعْنَبِيّ، به. وهذا الطريق منكر، وسيأتي تفصيله.
الوجه الثالث: أن قراءة سورتَي الكافرون والإخلاص من قول محمد بن علي بن الحسين.
فرواه القطان عند أحمد (١٤٤٤٠)، ووُهَيْب عند الطيالسي (١٧٧٣)، والثوري عند الترمذي (٨٧٠) عَنْ جَعْفَرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ به، وقد رَجَّح الترمذي هذا الطريق.
روى مالك في «الموطأ» (١٢٨١): عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» ورواه عن مالك الثقات بهذا المتن.
وقد رواه الْقَعْنَبِي عن مالك، واختُلف عليه، فرواه عُبيد الله بن عبد الكريم عند الطوسي (٧٩٧)، وهلال بن العلاء عند أبي عَوَانة (٣٤٠٥)، وعلي بن عبد العزيز، عند البيهقي (٩٣٩٨) ثلاثتهم: عَنِ القَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، مرفوعًا، به.=

<<  <   >  >>