للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وباب الكعبة. وسُمي (المُلتزَم) لأن الناس يلتزمونه عند الدعاء، أي: يَضمونه إلى صدورهم. وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (١).

فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ السَّبْعِ، رَكَعْنَا فِي دُبُرِ الْكَعْبَةِ. قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ قَامَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ، فأَلْصَقَ صَدْرَهُ وَيَدَيْهِ وَخَدَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ (٢).

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ يُدْعَى الْمُلْتَزَمَ، لَا يَلْزَمُ مَا بَيْنَهُمَا أَحَدٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ (٣).

ونوقش بأنه لا يصح في الدعاء عند المُلتزَم حديث، والسُّنة (بعد الطواف) أَنْ يَرجع إلى الحَجَر الأسود فيستلمه، ثم يَخرج إلى المَسعى، ثَبَتَ ذلك عن رسول الله (٤).

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الدعاء عند المُلتزَم يكون قبل طواف الوداع (٥).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٠)، و «مواهب الجليل» (٣/ ١١٢)، و «الأُم» (٢/ ٢٢١)، و «المغني» (٥/ ٣٤٢).
(٢) منكر: أخرجه عبد الرزاق (٩٢٥٦). وقد تَصَحَّفَ (المُثنَّى بن الصَّبَّاحِ) في أصل المُصَنَّف إلى (ابن التَّيْمي) وهو خطأ. وقد رواه ابن ماجه (٢٩٧٥) ومن طريق عبد الرزاق عن المُثَنَّى، فضلًا عن أن ابن التيمي- وهو المُعتمِر بن سليمان- لا يَروي عن عمرو بن شُعيب.
وأخرجه عبد الرزاق (٩٢٥٧) عن ابن جُريجٍ قال: قال عمرو بن شُعيب: طَافَ مُحَمَّدٌ- جَدُّهُ- مَعَ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو … بمعناه. وابن جُريج مدلس، ولم يُصَرِّح بالتحديث، والظاهر أنه أَسْقَط المُثَنَّى، وقد صَدَق الدارقطني إذ قال: تَجَنَّبْ تدليس ابن جُريج؛ فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح. وقال البخاري: ابن جُريجٍ لم يَسمع من عمرو بن شُعيب.
وأخرجه أبو داود (١٨٩٩) عن المُثَنَّى بن الصَّبَّاحِ، عن عمرو بن شُعَيْب، عن أَبيه. بدون جَدّه.
والحاصل: أن هذا الحديث تَفَرَّد به المُثَنَّى بن الصَّبَّاحِ، وهو ضعيف، ويَروي عن عمرو بن شُعَيْب مناكير، وهذا الحديث من مناكير المُثَنَّى. وقال أبو زُرْعَة: عامة المناكير التي تُرْوَى عن عمرو بن شُعيب إنما هي عن المُثَنَّى بن الصَّبَّاح.
(٣) إسناده صحيح: أخرجه البيهقي (٩٧٦٦).
(٤) وقال الطَّبَرِيُّ: الصَّوَابُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ: أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَقِبَ صَلَاةِ الطَّوَافِ بِشَيْءٍ إِلَّا اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ الْخُرُوجَ إِلَى الصَّفَا. «المجموع» (٨/ ٦٧).
(٥) قال ابن تيمية: وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ- وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ- فَيَضَعَ عَلَيْهِ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ، وَيَدْعُوَ وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ، فَعَلَ ذَلِكَ.
وَإِنْ شَاءَ قَالَ فِي دُعَائِهِ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ، حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي.
فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي، فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا. وَإِلَّا فَمِنَ الْآنَ فَارْضَ عَنِّي قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي؛ فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْتَ لِي. اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ١٤٢).

<<  <   >  >>