للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: مَنْ سعى بين الصفا والمروة راكبًا لعذر:

يَجوز السعي راكبًا بين الصفا والمروة لعُذر، بالإجماع.

نَقَل الإجماع على ذلك: ابن عبد البر وابن قُدامة وابن القيم (١).

المطلب الثالث: هل سعى رسول الله بين الصفا والمروة ماشيًا أم راكبًا؟

ورد أن الرسول سعى ماشيًا، ففي حديث جابر الطويل: «ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، سَعَى».

وقد جَمَع ابن القيم بقوله: وَعِنْدِي أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا أَوَّلًا، ثُمَّ أَتَمَّ سَعْيَهُ رَاكِبًا، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ، فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»: «عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ. حَتَى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ» (٢).

المطلب الرابع: حُكْم مَنْ سعى راكبًا بين الصفا والمروة بدون عذر:

قد سبق التفصيل في الطواف ماشيًا، والحاصل أن السعي ماشيًا سُنة، فالأَوْلَى بالحاج السعي ماشيًا، وهذا هو الأحوط للدين وللذمة والأبعد عن الخلاف.

ومَن عَجَز عن السعي ماشيًا بسبب التعب والإرهاق، فلا فدية عليه، مع أنه ينبغي للحاج أو المعتمر أنه إذا قدم مكة وهو متعب من السفر، فعليه أن يستريح أولًا ليؤدي نسك الحج والعمرة على الوجه الأكمل، كما فَعَل رسول الله القائل: «لتأخذوا عني مناسككم».


(١) قال ابن عبد البر: لَا خِلَافَ بإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَوِ اشْتَكَى مَرَضًا، أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ الرُّكُوبُ فِي طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَفِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. «التمهيد» (١٣/ ٩٩). ونَقَل الإجماع: ابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٢٤٩)، وابن القيم في «إعلام المُوقِّعين» (٤/ ٣٦٠).
(٢) «زاد المعاد» (٢/ ٢١١).

<<  <   >  >>