للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بأن النبي أَذِن بدفع الضَّعَفة بليل، وهذا يَصْدُق على مَنْ بات نصف الليل فأكثر، فكان القَدْر الواجب هو نصف الليل، فجاز الدفع بعد نصف الليل.

واعتُرض على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن إِذْن النبي بدفع الضَّعَفة بالليل لا يَعني إذنه لهم بالانصراف نصف الليل؛ لأن أسماء بَيَّنَتْ أن الانصراف إنما يكون بعد غيبوبة القمر، ولا تكون هذه الغيبوبة إلا بعد ذَهاب أكثر الليل، وليس نصفه، وتفسير أسماء للنص لا بد من العمل به.

الثاني: أن أحاديث الدفع بليل مُطْلَقة، وهي مُقيَّدة بمغيب القمر كما في حديث أسماء، فيُحْمَل المُطْلَق على المُقيَّد.

واستدلوا أيضًا بما ورد عن أُم سَلَمة قالت: «قَدَّمَنِي رَسُولُ اللهِ فِيمَنْ قَدَّمَ مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ» قَالَتْ: فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ، ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبْحَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مِنًى.

وَجْه الدلالة: أن مَنْ يَذهب من مزدلفة إلى مِنًى، ثم يَرمي الجمرة، ثم يَذهب إلى مكة، ثم يطوف ويصلي بها الفجر- لا يمكنه ذلك، إلا إن كان قد دَفَع من مزدلفة نصف الليل.

القول الثالث: أن الواجب في المزدلفة هو الوقوف ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، فمَن وَقَف خلال هذا الوقت ولو لحظة واحدة، فقد قام بالواجب. ومَن لم يقف في هذا الوقت، فقد فاته الوقوف الواجب بمزدلفة وعليه دم. وهو مذهب الحنفية (١).

واستدلوا بالقرآن والسُّنة والمعقول:

أما القرآن، فعموم قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨].

وَجْه الدلالة: الأمر إنما جاء بذكر الله والوقوف عند المَشْعَر الحرام للدعاء، والوقوف يكون بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى قُبيل طلوع الشمس، فمَن وَقَفَ خلال هذا الوقت ولو لحظة واحدة، فقد قام بالواجب.

ونوقش هذا الاستدلال بأن الأمر بالذِّكر جاء على سبيل الاستحباب دون الوجوب.


(١) «المبسوط» (٤/ ٦٣)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٥)، و «فتح القدير» (٢/ ٤٨٤).

<<  <   >  >>