للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِجَمْعٍ، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَدْ أَدْرَكَ (١).

المطلب الثاني: حُكْم مَنْ فاته الوقوف الواجب في مزدلفة.

هذا لا يخلو من حالين:

الأول: مَنْ فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة بلا عذر، صح حجه، وعليه دم (٢).

الثاني: تَرْك المبيت بالمزدلفة لعُذْر.

اختَلف أهل العلم فيمن تَرَك المبيت بالمزدلفة لعُذْر على قولين:

القول الأول: مَنْ تَرَك المبيت بالمزدلفة لعذر، صح حجه، ولا دم عليه. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية (٣).

واستدلوا بما ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى؛ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ (٤).

وَجْه الدلالة: أن النبي أَذِن للرعاة والسقاة في ترك المبيت بمِنًى للعذر، ويقاس عليهم مَنْ له عذر، والعذر في المزدلفة كالعذر في مِنًى من مشقة المبيت لأهل الأعذار.

القول الآخَر: مَنْ تَرَك المبيت بالمزدلفة لعذر، فلا يجب عليه دم عند الحنابلة (٥).

والراجح: أنه لا يَظهر فرق بين السقاة وغيرهم إذا اشتركوا في العلة؛ فالشريعة لا تُفَرِّق بين متماثلات. فالرسول أَذِن للعباس في ترك واجب المبيت بمِنًى من أجل المصلحة العامة، وهي سقاية الناس. فكذا يَجوز للجند والأطباء ترك المبيت بمزدلفة من أجل المصلحة العامة، ولا يجب عليهم دم، والله أعلم.


(١) «الاستذكار» (٤/ ٢٩٢). وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاتَهُ الْوُقُوفُ. «فتح الباري» (٣/ ٥٣٢).
(٢) قال ابن عبد البر: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَبِتْ بِجَمْعٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ، عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ عَنْهُ وُقُوفُهُ بِهَا وَلَا مُرُورُهُ عَلَيْهَا. «الاستذكار» (٤/ ٢٩١).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٦)، و «مِنَح الجليل» (١/ ٤٨٩)، و «نهاية المحتاج» (٣/ ٣٠١).
(٤) رواه البخاري (١٦٣٤)، ومسلم (١٣١٥).
(٥) «المغني» (٥/ ٣٩٤)، و «شرح المنتهى» (٢/ ٥٥٦).

<<  <   >  >>