للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرسول لا يَفعل إلا الأفضل.

واستدلوا بأن النبي في حَجة الوداعِ دعا للمُحلِّقين ثلاثًا، وللمُقصِّرين مَرَّة (١).

وأما الإجماع، فقال ابن عبد البر: وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْحِلَاقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ (٢).

وأما المعقول، فما قاله الحافظ: أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعِبَادَةِ، وَأَبْيَنُ لِلْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ، وَأَدَلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ. وَالَّذِي يُقَصِّرُ يُبْقِي عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ، بِخِلَافِ الْحَالِقِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى (٣).


=
الثالث: محمد بن علي بن الحسين، فرواه جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس، عند أحمد (١٦٨٨٦) ولم يَذكر في حديثه: (في حجته) فلفظة (في حجته) منكرة؛ لأن الثابت أن النبي حج قارنًا، ولم يَحِلَّ إلا يوم النحر، وحَلَق في حجته بمِنًى، ولم يُقَصِّر.
قال ابن تيمية: في «الصحيحين»: عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَصَّرْتُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَى الْمَرْوَةِ». قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَلَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمُ الْحِلَّ كُلَّهُ. «منهاج السُّنة النبوية» (٤/ ٤٣٧).
وقال النووي: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَّرَ عَنِ النَّبِيِّ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ قَارِنًا، وَثَبَتَ أَنَّهُ حَلَقَ بِمِنًى. وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَةَ شَعْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ. فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ تَقْصِيرِ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمًا، إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، سَنَةَ ثَمَانٍ. «شرح مسلم» (٨/ ٢٣١).
(١) رواه مسلم (١٣٠٣). فحديث أُم الحُصين صريح في أن دعاء رسول الله للمحلقين والمقصرين- كان في حجة الوداع.
ولكن يشكل عليه ما رواه ابن عباس، عند أحمد (٣٣١١) أن ذلك الدعاء كان في الحديبية.
وفي إسناده ابن إسحاق، وقد صَرَّح بالتحديث، فانتفت شبهة التدليس، ولكن ابن إسحاق لا يُحتجّ به فيما ينفرد به، وقد انفرد بلفظة: «حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ» فهي ضعيفة.
ولو صحت فيندفع هذا الإشكال بحمل دعائه للمحلقين والمقصرين على التَّكْرار، فيكون دعا لهم في الحديبية، وكَرَّر هذا الدعاء في حجة الوداع.
قال عِيَاض: فلا يَبعد أن النبي قاله في الموضعين. «إكمال المُعْلِم» (٤/ ٣٨٤).
(٢) «التمهيد» (٧/ ٢٦٧). وقال النووي: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ. «المجموع» (٨/ ١٩٩).
(٣) «فتح الباري» (٣/ ٥٦٤).

<<  <   >  >>