للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا النساء- دليل على حصول التحلل الأصغر بالرمي والحلق.

واعتُرض عليه بأنه لا يصح عن رسول الله .

واستدلوا بقول عائشة: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ- وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا-» (١).

وَجْه الدلالة: إخبار عائشة بأنها طَيَّبَتِ النبي حين أَحَل قبل أن يطوف- دليل على أن التحلل الأصغر حَصَل قبل الطواف، أي: بعد الرمي والحلق (٢).

واستدلوا أيضًا بأن الحَلْق رُتِّبَ عليه الحِل في مسألة الإحصار، فإن النبي لما أُحْصِرَ في الحُديبية أَمَرهم أن يَحلقوا ثم يَحِلوا، ولا حِل لمُحْصَر إلا بعد الحَلْق.

واستدلوا بالقياس على العمرة، فكما أن المعتمر لا يَحِل إلا بعد الطواف والسعي والحَلْق، فكذا الحاج لا يحل حتى يَرمي جمرة العقبة ويحلق، وأنه بعد الحَلْق يكون التحلل في العمرة والحج.

القول الثاني: أن التحلل الأول يَحصل بفعل اثنين من ثلاثة، وهي (الرمي، والحَلْق، والطواف) وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة في المشهور عنهم (٣).

واستدلوا بما استَدل به أصحاب القول الثاني.

القول الثالث: يَحصل التحلل الأول برمي جمرة العقبة. وهو قول مالك، وقول عند الشافعية، ورواية عن أحمد (٤).

واستدلوا بالسُّنة والمأثور:

أما السُّنة، فعموم قول النبي : «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» (٥).


(١) أخرجه البخاري (١٧٥٤)، ومسلم (١١٨٩).
(٢) قال النووي: وقولها: (ولحِله حين حل قبل أن يطوف بالبيت) فيه تصريح بأن التحلل الأول يَحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق قبل الطواف، وهذا متفق عليه. «شرح مسلم» (٨/ ٩٩).
(٣) «المجموع» (٨/ ٢٢٨)، و «المغني» (٥/ ٣٠٧)، و «المبدع» (٣/ ٢٤٣)، و «الإنصاف» (٤/ ٣١).
(٤) «الذخيرة» (٣/ ٢٦٩)، و «المجموع» (٨/ ٢٢٩)، و «المغني» (٥/ ٣١٠).
(٥) ضعيف: أخرجه أبو داود (١٩٧٨) عن حَجاج بن أرطاة، عن الزُّهْري، عن عمرة، عن عائشة، به.
قال أبو داود: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، الْحَجَّاجُ لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
وله شاهد عن ابن عباس، ومداره على الثوري، عن سَلَمَة بن كُهَيْل، عن الحَسَن العُرَنِيّ، عن ابن عباس،
وقد أعل هذا الحديث بعلتين:
الأولى: قد اختُلف عنه في الرفع والوقف، والوقف أصح: فرواه القطان عند النَّسَائي (٣١٠٧)، وعبد الرحمن بن مهدي عند ابن ماجه (٣٠٥٧)، وأبو عاصم عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤٠٣٩)، وعبد الرزاق وابن وهب عند البيهقي (٩٦٧٨)، وكلهم حُفاظ أثبات، رووه عن الثوري به موقوفًا.
ورواه وكيع عن الثوري واختُلف عليه في الوقف والرفع، فرواه أحمد (٢٠٩٠) عن وكيع به مرفوعًا. وخالف أحمدَ الثقاتُ، فرواه ابن شيبة (١٤٣٣١)، وأبو بكر بن خَلَّاد عند ابن ماجه (٣٠٥٧) وغيرهما، عن وكيع به موقوفًا. فظَهَر أن رواية الوقف أصح.
العلة الثانية: أن الحسن العُرَني لم يَسمع من ابن عباس شيئًا. قاله أحمد والبخاري، وقد سبق.
فهو لا يصح مرفوعًا ولا موقوفًا. والله أعلم.

<<  <   >  >>