للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيَّ (١).

القول الآخَر: أن الأضحية واجبة على الموسر. وهذا مذهب الحنفية، وهو قول للمالكية، وقول مُخَرَّج في مذهب الحنابلة، اختاره ابن تيمية (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ٢] أي: صَلِّ صلاة العيد، وانحر واذبح الأضحية بعدها. وهذا أَمْر، والأمر يقتضي الوجوب.

ونوقش بأن أَشْهَر التأويلات للآية الحث على الإخلاص، أي: صَلِّ لله، وانحر لله.

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى» (٣).

دل على الوجوب أمر النبي بإعادة الذبح؛ لأن التطوع لا يؤمر فيه بالإعادة.

ونوقش بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ شَرْطِ الْأُضْحِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ صَلَّى رَاتِبَةَ الضُّحَى مَثَلًا، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَعِدْ صَلَاتَكَ.

واستدلوا بعموم قول النبي لما سأله أبو بُرْدَة بن نِيَار: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْهُ مَكَانَهُ، وَلَنْ تُوفِيَ- أَوْ: تَجْزِيَ- عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (٤) أي: لن تقضي، والقضاء لا يكون إلا عن واجب، فاقتضى ذلك الوجوب.

ونوقش بأن الضَّحَايَا قُرْبَانٌ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ، يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ ﷿ عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَهُوَ حُكْمٌ وَرَدَ بِهِ التَّوْقِيفُ، فَلَا يُتَعَدَّى بِهِ سُنَّتُهُ .

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (٥). ونوقش بأنه ضعيف، ولا أعلم في وجوب الأضحية حديثًا يصح.


(١) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٨٢٩٧).
(٢) «المبسوط» (١٢/ ٨)، و «أحكام القرآن» (٤/ ٤٥٩)، و «المغني» (١٣/ ٣٦٠).
(٣) رواه البخاري (٥٥٠٠)، ومسلم (١٩٦٠).
(٤) رواه البخاري (٩٦٥).
(٥) ضعيف، ومدار هذا الحديث على الأَعرج عن أبي هريرة، واختُلف عليه في الوقف والرفع:
فرواه عبد الله بن عَيَّاش- وهو ضعيف- عن الأعرج، به مرفوعًا، عند أحمد (٨٢٧٣).
وقد خالفه عُبيد الله بن أبي جعفر، فرواه عن الأعرج عن أبي هريرة، موقوفًا. وقد رَجَّح الدارقطني الوقف. وقال البيهقي: «بَلَغَنِي عَنِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ. قَالَ: ورَواه جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا». «السُّنن الكبرى» (١٩/ ٢٥٠).
وكذا الطحاوي كما نَقَله عنه الحافظ في الفتح ١٠/ ٦)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (١٥/ ١٦٤).
وفي الباب حديث عليّ وعائشة، ولا يصح فيما أعلم حديث في وجوب الأضحية.

<<  <   >  >>