للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» (١).

قال النووي: قَالَ الْجُمْهُورُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ، وَتَقْدِيرُهُ: يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ.

وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِ ئُ بِحَالٍ، وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ، وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ (٢).

وقد نُقل الإجماع على أنه لا يجزئ الجَذَع من المعز (٣).

ولكن هذا الإجماع منخرم، وهذا قول جماهير العلماء من السَّلَف والخَلَف (٤).


(١) رواه مسلم (٢٠١٧).
(٢) «شرح مسلم» (١٣/ ١١٧). فظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ لَا يُجْزِئُ، إِلَّا إذَا عَجَزَ عَنِ الْمُسِنَّةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَفْضَلِ. «التلخيص» (٤/ ٢٥٨).
(٣) قال الترمذي: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ أَنْ لَا يُجْزِئَ الجَذَعُ مِنَ الْمَعْزِ. «السُّنن» (٣/ ١٧١). وقال ابن عبد البر: لَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الْمَعْزِ لَا يُجْزِئُ. «الاستذكار» (٥/ ٢٢٦).
(٤) فهناك قول للشافعية بإجزاء الجذع من المعز، كما في «الحاوي» (١٥/ ٧٦)، و «المجموع» (٨/ ٣٩٤).
واستدلوا بما ورد في البخاري (٢٥٠٠)، ومسلم (١٩٦٥): عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ».
وفي البخاري (٥٥٤٧)، ومسلم (١٩٦٥) واللفظ لمسلم: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ فِينَا ضَحَايَا، فَأَصَابَنِي جَذَعٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ أَصَابَنِي جَذَعٌ. فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ» فالنبي أجاز لعقبة أن يضحي بالجَذَع من المعز؛ لأن العَتُود من أولاد المعز.
ونوقش من ثلاثة أوجه:
الأول: أن العَتُود من ولد المعز ما قوي ورعى، وأتى عليه حَوْل، فيكون هو الثَّنِيّ من المعز، فتَجوز الضحية به. «حاشية ابن القيم على سُنن أبي داود» (٧/ ٤٩٩).
الثاني: أنه لو صح التضحية بالجذع من المعز، فهو خاص بعقبة؛ لقول النبي : «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ».
الثالث: قيل: إن حديث عقبة منسوخ بحديث البراء. «إكمال المُعْلِم» (٦/ ٤٠٩).
واستدلوا بعموم قول النبي : «إِنَّ الْجَذَعَ يُوَفِّي مِمَّا يُوَفِّي مِنْهُ الثَّنِيُّ».
وجه الاستدلال: جواز التضحية بالجذع من المعز.
ونوقش بأنه محمول على الجذع من الضأن؛ جمعًا بين الأحاديث، ففي حديث أبي بُرْدَة التصريح بعدم إجزاء الجذع من المعز.
وهناك قول ثالث: أن الجذع من المعز لا يجزئ، ويجزئ ما دونه وما فوقه. وهو قول ابن حزم، كما في «المُحَلَّى» (٧/ ٣٦١). واستَدل ابن حزم لعدم إجزاء الجذع من المعز بعموم قول النبي لأبي بُرْدَة: «اذْبَحْهَا، وَلَنْ تُجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ولو كان ما دون الجذعة لا يجزئ، لبَيَّنه رسول الله .

<<  <   >  >>