للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا لذلك بعموم القرآن والسُّنة:

أما القرآن، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قيل: نزلت في قوم ذَبَحُوا قبل أن يَنحر النبي ، أو قَبْل أن يُصلِّي، فأَمَرهم أن يُعِيدُوا (١).

ونوقش بأن هذا السبب لنزول الآية ضعيف (٢).

وأما السُّنة، فَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ» (٣).

القول الثاني: يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَا. وهذا قول الشافعية (٤).

ونوقش هذا القول بأن التقييد في الأحاديث بالصلاة، وليس بالوقت، ولا يُلجأ إلى الوقت إلا عند قوم لا تقام فيهم صلاة العيد.

القول الثالث: أنه لا يُجْزِئ الذبح إلا بعد ذبحِ الإمام. وبه قال الإمام مالك.

واستَدل مالك بما روى مسلم: عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ نَحَرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ مَنْ كَانَ


(١) ضعيف، وهو مُرسَل عن الحَسَن، ذَكَره ابن عبد البر في «الاستذكار» (٢١٣٤٦) وقال مَعْمَر … به.
(٢) وسبب النزول الصحيح: ما رواه البخاري (٤٣٦٧): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ! فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا … ﴾ [الحجرات: ١].
(٣) رواه البخاري (٩٦٥)، ومسلم (١٩٦١).
ورَوَى البخاري (٥٥٠٠)، ومسلم (١٩٦٠): عَنْ جُنْدَبٍ البَجَلِيِّ قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ أُضْحِيَةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمُ النَّبِيُّ أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى».
(٤) «شرح النووي» (١٣/ ١١٠، ١١١).

<<  <   >  >>