للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُؤاخَذ؛ ولذلك يُفْطِر الجاهل بالأكل في الصوم دُون الناسي (١).

واستدلوا بأن إسقاط التسمية في حال النسيان عليه إجماع العلماء (٢).

وعن ابن عباس قال: «فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَى الذَّبِيحَةَ، فَلْيُسَمِّ وَلَيْأَكُلْ» (٣).

القول الثالث: أن التسمية سُنة مُؤكَّدة. وهذا مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد (٤).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة:

أما الكتاب، فَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى، وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْمِيَةَ.

(فَإِنْ قِيلَ): لَا يَكُونُ مُذَكًّى إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ.

(قُلْنَا): الذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ، وَقَدْ وُجِدَا. وَأَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥] فَأَبَاحَ ذَبَائِحَهُمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ التَّسْمِيَةَ (٥).

قال ابن عبد البر: وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَإِ ذَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ. وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَجُوسِيَّ وَالْوَثَنِيَّ لَوْ سَمَّى اللَّهَ، لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ. وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ بِدِينِهِ (٦).

وأما السُّنة، فَعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَكُلُوهُ» (٧).


(١) «المغني» (١٣/ ٢٩١).
(٢) قوله: (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ تُبَحْ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أُبِيحَتْ) هذا المذهب فيهما. وذَكَره ابن جرير إجماعًا في سقوطها سهوًا. «الإنصاف» (٢٧/ ٣٢٢).
(٣) إسناده صحيح: رواه عبد الرزاق (٨٥٣٨).
(٤) «المجموع» (٨/ ٤١٠)، و «الإنصاف» (١٠/ ٣٠٢).
(٥) «المجموع» (٨/ ٤١١).
(٦) «الاستذكار» (٥/ ٢٥٠).
(٧) مدار هذا الحديث علي هشام بن عروة عن أبيه واختُلِف عَنه؛
فرواه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ وأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ المَدَنِيُّ وأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، ثلاثتهم عند البخاري (٢٠٥٧) (٥٥٠٧) (٧٣٩٨) وعبد الرحيم بن سليمان، ويونس بن بُكَير، ومُحاضِر، والنَّضر بن شُمَيل عند الدارقطني في العلل (٣٥١٥) وغيرهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به مرفوعا.
ورواه مالك في الموطأ (١٣٧٦)، وحماد بن سَلَمَة عند أبي دواد (٢٨٢٩) ومعمر عند عبد الرزاق (٨٧٠٥)
وعِيسَى بْنُ يُونُسَ عند ابن راهوية (٨٣٨) وحماد بن زيد، وسفيان بن عُيينة، ويحيى القطان، والمُفَضَّل بن فَضالة، عند الدارقطني في العلل (٣٥١٥) وغيرهم عن هِشام، عن أَبيه، مرسلًا، ليس فيه عائشة.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ: هشامُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النبيِّ، مُرسَلً أصحُّ؛ كَذَا يَرْوِيهِ مالكٌ وحمَّادُ بن سَلَمة
قال الدارقطني: والمُرسَل أَشْبَه بالصواب.

<<  <   >  >>