للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخَر: أن طواف الوداع مستحب، ولا يجب بتركه دم. وهو مذهب المالكية، وقول عن الشافعية، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما السُّنة، ففي «الصحيحين» مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ : «فَلْتَنْفِرْ» (٢).

وَجْه الدلالة: قوله : «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» أي: حتى تطوف طواف الإفاضة، فلما قيل له: (إنها أفاضت) أي: طافت طواف الإفاضة، قال رسول الله : «فَلْتَنْفِرْ» ولم يقل لها: انتظري حتى تطوفي طواف الوداع بالإقامة له. ولو كان واجبًا لأُمِرَتْ بجبران ذلك بدم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وأما القياس، فإذا كان طواف القدوم سُنة لأنه تحية للبيت، فيقاس عليه طواف الوداع لتوديع البيت، ولو كان واجبًا لم يَسقط عن المكي.

ونوقش بأن طواف الوداع شُرع لتودع البيت، والمكي لا يُودِّع البيت، فكيف يطوف للوداع وهو مقيم في الحَرَم؟! ولذا قال النبي : «حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

والراجح: أن طواف الوداع واجب، ويجب بتركه دم، إلا أنه يُعْفَى عن المرأة الحائض؛ لحديث ابن عباس: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ».

وقد دل على وجوب طواف الوداع من ثلاثة ألفاظ:

الأول: لفظ: «أُمِرَ» والأمر يقتضي الوجوب، فدل ذلك على وجوب طواف الوداع.

الثاني: النهي لقول النبي : «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ».

الثالث: قوله: «إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» فدل ذلك على وجوب طواف الوداع على غير الحائض.


(١) «حاشية الدسوقي» (٢/ ٥٣)، و «المجموع» (٨/ ٢٥٤)، و «الإنصاف» (٢/ ٦٠).
(٢) البخاري (٤٤٠١)، ومسلم (١٢١١).

<<  <   >  >>