للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رُوي عن بعض الصحابة إيجاب طواف الوداع على الحائض، وعليها دم في تركه. وهو قول عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت … وغيرهم (١).

واستدلوا بما رَوى أبو داود: عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَ: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ. قَالَ: فَقَالَ الْحَارِثُ: كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللهِ (٢). فتصريح الراوي بأن فتوى رسول الله: لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِ الحَائِضِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ.

ونوقش هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه:

الأول: أن حديث الحارث محمول على ما إذا كان في الزمان نَفَس وفي الوقت مُهلة. فأما إذا أعجلها السير، فلها أن تَنفر من غير وداع؛ بدليل خبر صفية (٣).

الثاني: أن حديث الحارث منسوخ بالأحاديث المُرخِّصة للحائض بترك طواف الوداع (٤).

الثالث: أنه رُوي رجوع زيد وابن عمر إلى القول بسقوط الوداع عن الحائض (٥).

والصحيح: أن طواف الوداع يَسقط عن الحائض؛ لثبوت ذلك بالسُّنة الصحيحة.

وهل يُلْحَق بالحائض كل معذور يترتب على انتظاره ضرر ومشقة، فيَسقط عنه الوداع؟

الجواب: فيه تفصيل؛ فالمعذور لا يخلو من حالين:

الأول: إذا كان يستطيع أن يطوف للوداع بنفسه أو محمولًا، فلا يَسقط عنه بحال؛ لِما روت أُم سلمة قالت: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنِّي أَشْتَكِي، فقالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ


(١) أثر عمر أخرجه أبو داود (٢٠٠٤)، وابن عمر عند البخاري (١٧٦١)، وزيد عند البخاري (١٧٥٨)، ومسلم (٣٢٢١).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (٢٠٠٤)، وأحمد (١٥٤٤٠) من طريق: أبي عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ، بِهِ.
(٣) «معالم السُّنن» (٢/ ٢١٦).
(٤) قال الطحاوي: … فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ هَذِهِ الْآثَارِ؛ لِحَدِيثِ الْحَارِثِ. «معاني الآثار» (٢/ ٢٣٥).
(٥) قال ابن المنذر: وَقَدْ ثَبَتَ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ. «الاستذكار» (٤/ ٣٧١).

<<  <   >  >>