وسلم لا تدخلون) أيها المؤمنون (الجنة) ابتداءَ (حتى تومنوا) إيمانًا كاملًا باجتماع شُعبه (ولا تؤمنوا) إيمانًا كاملًا يُوجب دخول الجنة ابتداءً (حتى تحابوا) وتوادوا في الله عزَّ وجلَّ أي حتى يُحب بعضكم بعضًا لأجل دين الله تعالى وطلب رضاه لا لغرض من الأغراض الدنيوية من قرابة وصداقة وزوجية وعطية.
قال القرطبي: والإيمان المذكور أولًا هو التصديق الشرعي المذكور في حديث جبريل - عليه السلام -، والإيمان المذكور ثانيًا هو الإيمان العملي المذكور في قوله: الإيمان بضع وسبعون بابا كما سبق تخريجه، ولو كان الثاني هو الأول للزم منه أن لا يدخل الجنة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وذلك باطل قطعًا، فتعين التأويل الذي ذكرناه انتهى.
قال الأبي: لفظ الحديث يقتضي وقف دخول الجنة على التحاب، فلا يدخل الجنة كاره، ولا يقوله أهل السنة، وإنما قلنا ذلك لأن الموقوف على الموقوف على شيء موقوف على ذلك الشيء، فأجاب ابن الصلاح بأن المراد بالدخول دخول الجنة ابتداءً، وأجاب النووي: بان معنى الحديث وقف دخولها على الإيمان، ووقف كمال الإيمان على التحاب.
(قلت) فعلى الأول الإيمان الثاني هو الأول، والمراد بهما الكمال، أي لا تدخلوا الجنة ابتداءً حتى تؤمنوا الإيمان الكامل، ولا تؤمنوا الإيمان الكامل حتى تتحابوا، وعلى الثاني هو غيره، ومدلول الجملتين مختلف ولا ارتباط لإحداهما بالأخرى، فمدلول الأولى وقف دخول الجنة على الإيمان المطلق، الذي هو التصديق، ومدلول الثانية وقف الإيمان الكامل على التحاب، والأول أسعد بالسياق.
ويصح عندي وجه ثالث: وهو أن يكون الإيمان الثاني هو الأول، والمراد به المطلق، ولم يذكر الثاني من حيث الوقف عليه، بل من حيث النهي عن الاقتصار عليه، فالمعنى لا تدخلون الجنة حتى تُصدِّقوا ولا تقتصروا على التصديق بل حتى تضيفوا إليه التحاب.
(فإن قلت) وَقْفُ الإيمانِ على التحاب إن كان التحاب من الجانبين كما تقتضيه المفاعلة لزم التكليف بفعل الغير ولا يجوز، وإن كان من جهة واحدة لزم التكليف بالأمر الجبلي، لأن المحبة جبلية.