(قلت) فعل الغير إن كان سببه من المكلَّفِ صحَّ التكليف به، وينصرف التكليف إلى ذلك السبب، والسبب هنا إفشاء السلام اهـ من الأبي.
قوله (ولا تؤمنوا) قال النووي: معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" فهو على ظاهره وإطلاقه، فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنًا، وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث اهـ.
وقوله أيضًا (ولا تؤمنوا) قال القرطبي: كذا صحت الرواية هنا بإسقاط النون، والصواب إثباتها كما قد وقع في بعض النسخ، لأن لا نافيةٌ، لا ناهية جازمة، فلزم إثباتها لعدم الجازم اهـ.
وقال النووي: إنه في جميع الأصول والروايات هكذا (ولا تؤمنوا) بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة اهـ.
(قلت) حذف النون هنا لمشاكلة ما قبله وما بعده، والمشاكلة من المحسنات اللفظية عند البديعيين، وحينئذ تقول في إعرابه: لا نافية، تؤمنوا: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة للمشاكلة، لأنه من الأفعال الخمسة، لأن المحذوف لعلةٍ كالثابت، فلا يضر حذفها في الخط واللفظ، وهذا هو الصواب الذي عليه علماء العربية لا غيره، والهمزة في قوله (أولا أدلكم على شيء) داخلة على محذوف تقديره أتستغربون ذلك ولا تفهمونه، أدلكم أيها المؤمنون على شيء (إذا فعلتموه) وقلتموه (تحاببتم) أي يحصل التحاب والتواد بينكم، أقول لكم في بيان ذلك الشيء (أفشوا) أي بقطع الهمزة المفتوحة أي أكثروا وأشيعوا (السلام بينكم) أيها المؤمنون خاصة، قال القرطبي: وإفشاء السلام إظهاره وإشاعته واقراؤه على المعروف وغير المعروف، ومعنى لا تؤمنوا حتى تحابوا، أي لا يكمل إيمانكم ولا يكون حالكم حال من كَمُلَ إيمانه حتى تُفْشُوا السلامَ الجالب للمحبة الدينية والألفة الشرعية.
قال النووي: وفي الحديث حث عظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم من عرفت ومن لم تعرف كما تقدم في الحديث الآخر، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وبإفشائه يحصل ألفة المسلمين بعضُهم لبعض، واظهارُ